ده اللي الناس حتهتف بيه طال الزمن أو قصر, أولا لأن وعيهم بذواتهم وبحقوقهم بيزيد طول الوقت، مع تطور الأحداث ومعاه وعيهم بآليات التغيير وقدراتهم على اسماع صوتهم لمن هم أعلى منهم مرتبة ودرجة اجتماعية وسياسية، وزيادة وعيهم بمدى فساد وانحطاط المنظومة الحاكمة بكل صورها, نفس الهتاف اللي هتف به المصريون في أفلام عادل إمام وأحمد زكي وغيرهما طلبا للعدالة والحق بصور مختلفة ومتنوعة مثل آي آي (في فيلم النوم في العسل) لحد (الكباب الكباب لنخلي عيشتكم هباب) في فيلم الإرهاب والكباب, لحد لا أستثني منا أحدا (في فيلم ضد الحكومة) وغيرهم وغيرهم, واللي رغم أنها تبدو هتافات عبثية كوميدية أو تراجيدية، إلا أنها تحمل في مغزاها نفس معنى \”عيش, حرية, عدالة اجتماعية\”، و\”الشعب يريد إسقاط النظام\” التي هتفنا بها جميعا في التحرير أو غيره يوما.
وثانيا لأن المنظومة الفاشلة المحتلة لمصر غير قادرة على ابتكار أو إبداع أي طريقة لرد الحقوق لأصحابها أو حتى إيهامهم بذلك، ولا وسيلة منطقية لزيادة ثروات المصريين والحفاظ على مقدراتهم، وليس في يدها وعقلها غير قوة السلاح والضرب في المليان وإخضاع جموع الشعب المستعبدة بالأكاذيب ووسائل الخداع والتخويف لسماع كلام \”الأخ الأكبر\”.
الدولة الوحش التي حذر منها فلاسفة السياسة والحكم في عصور النهضة بأسوأ من أسوأ ما تخيله أحد يوما, عادة ما تكون الدول الديكتاتورية شديدة التنظيم والإرهاب، وهذا ما أثار خيال أورويل وروسو وغيرهم ممن حذرونا – حذروا البشرية – من خطر الدولة المنظمة بأكثر مما يجب, لكن لا أتذكر أنني قرأت رواية تكون فيها الديكتاتورية بهذا الانحطاط والفشل والضعف والهشاشة والتحلل, فقط في حكايات حكاها لي نشطاء من دول متعددة مثل كوبا وبولندا والسودان وغيرها, حكايات لم يجد التاريخ أنها جديرة بأن تعاد حكايتها في روايات أو أفلام تجسدها وتحفظ تاريخها, فيكفيها أنها وجدت في الواقع مرة, وهذا ما أعتقد أنه سيحدث لنا أيضا, لا أظن التاريخ سوف يكتب عن حقبتنا هذه بكل مآسينا وآلامنا فيها، إلا أنها لحظة اضمحلال عابرة في تاريخ مصر، تتبع عادة انهيار الأسر أو الدول الحاكمة لمصر، وتكررت كثيرا في تاريخنا، لكنها كانت من الظلام لدرجة أننا لم نشأ أن نتذكرها ونتعلم منها, اللهم إلا ما سنتركه لأبنائنا من ميراث البرامج الساخرة والمشاهد التي سيظنونها ساخرة وتمثيلية, فلن يتخيل أحفادنا أن يكون الدكتور عبدالعاطي كفتة شخصية فعلية تعاملنا معها على أنها واقع جاثم على قلوبنا، حقيقة لا خيالا.
ثالثا: لأن التدهور غير المسبوق في حياة المصريين لن يترك لأحد من مؤيدين – مشيها مؤيدين – المشير أي مساحة للكذب أو المناورة، وسيغرق صوتهم المنافق القبيح وسط أصوات حية تصرخ طلبا للنجاة من الفشل والانهيار دون تحيز أعمى مزروع بشكل مصطنع عن طريق أدوات غسيل المخ المملوكة للأخ الأكبر (دولة يونيو) أو الأخ الأصغر (التنظيمات التابعة ليوليو والسابقة على وجودها، وتتسلط على المصريين بشكل أكثر تلاصقا بهم، مثل الكنيسة الأرثوذكسية وتنظيم الإخوان المسلمين وغيرهم)
\”عاوزين حقنا\”.. قوية كاسحة تحت أي شعار أو مسمى أو شكل – المهم أنها حتطلع من تحت – ممكن تطلع من الصعيد زي ما طلعت قبل كده من الإسكندرية والمحلة والسويس والفيسبوك – لفوق، وحتتسمع زي ما اتسمعت قبل كده كلمة \”كفاية\” بعد إطلاقها كشعار بسنين، وحققت هدفها في 11 فبراير، ونحت مبارك وحزبه عن السلطة، وإن لم تنه التسلط على حياة المصريين بعد.
\”عاوزين حقنا\”.. ساخرة زى اللي صدح بيها شادي ومالك وباسم يوسف، أو مراوغة مقنعة زي أبلة فاهيتا وأبو حفيظة وغيرهم، أو صارخة زي اللي صرخت بيها حناجر جيش الألتراس في ذكرى إخوتهم المذبوحين بخناجر غدر نفس منظومة الفشل الحاكمة، أو باكية زي اللي بتظهر كل يوم في صور أطفال وأمهات وأهالي ضحايا الفساد والإهمال والإجرام الحكومي في كل مكان على أرض المحروسة.
من المبدع والمفزع في آن، أن تكون الصرخة القادمة كاسحة حتى تكون بداية عصر جديد، ومن المحزن أن يطوي ما سبقها النسيان كما حدث لمعظم ما سبق إعلان الثورة في يناير من أحداث، بكل ما فيها من صراعات وتضحيات ومخاطر صارت وصمة بعد ذلك لمجرد رغبة المجموع في التطهر من كل ما سبق يناير، بما احتواه من فشل وانكسار واعتبار كل ما قبلها زمن آخر منسي، وهو ما ستحدثه في النهاية عملية النهضة الشاملة التي سوف تشغل الناس ببناء مستقبلهم عن تذكر ما كانه ماضيهم القريب.
فاضل زقة, مش أكتر من كده, وإن شاء الله نعدي منها سوا كأمة متماسكة مترابطة، ونشوف أيام طيبة على أرض مصر ووسط أهلها اللي بتطهرهم المطالبة بحقوقهم ودفع تمنها كما اقتضت سنة الله في الأرض, اللهم بلغت اللهم فأشهد.