أحمد بحار يكتب: متى يقتنع المواطن أن أفندينا هو الرجل الثاني؟

فور كل قرار تخرج به الحكومة على المواطنين في الشبكات الاجتماعية، تثور ثورة لا تهدأ، كيف لهم أن يفعلوا ذلك؟ هل لا يدركون أن قرارا كهذا سيؤدي إلى انهيار الدولة؟ سيؤدي إلى سقوط الدستور؟ إلى إفلاسها؟ ويبدأ المواطنون الإيجابيون، في وضع التصورات اللازمة للنهوض بالسياحة، لمواجهة الإرهاب، لتعديل القانون، ثمة روح إيجابية مازالت تتنفس في صدور المصريين، فالجميع يشعر بأنها بلده، فلماذا لا نوجه السلطة للصواب؟ وتوجيه السلطة هو أمر مستحب للشعوب الواعية تجاه السلطات في الدول المُتحضرة، والمصريون لم يتخلصوا بعد من صدمة أنهم لن يستطيعوا أن يعيشوا في تلك البلاد بعد انهيار الجنيه، ولذلك فسنجد التوجيه أكثر شراسة في المرحلة التالية، في المقابل لا تستغرب الحكومة من توجيه الشباب على الشبكات الاجتماعية، فنحن والحكومة في مصر مراحل في حياة بعضنا البعض، بل إن السيسي نفسه لا يستغرب، لكن للاستغراب معادلة تٌترجم بالسخرية، دائمًا ما تجد طريقها في نفوس الجنرالات، حاكمي التنظيم، فماذا فعلت الحكومة أو السيسي يوما ليظن المواطن التعيس أنهم يرونه ويفكرون مثله ويشاركونه اهتماماته الشخصية؟ لا شئ، فقط لأنهم في رأس السلطة في التلفزيون، رجل السلطة في كل منزل، ولكن هل لذلك أثر واضح ينبغي أن يترسخ في وجدان رأس السلطة؟

لا بالطبع، فالعقيدة العسكرية والسيطرة وآداب صراع الأقوياء المبتذلة، تقضي بأن أقوى من في البلد هو من له حرية الفعل والدعك.

يستيقظ الجنرالات في بيوتهم المجهولة في سلام، يقومون بالزيارات العائلية والتنزه مع أبنائهم وإبرام الصفقات الجديدة عبر مكالمات هاتفية موجزة، وسط ممارستهم لحياتهم الطبيعية، مهما ثارت الثورات، فقط لأنهم يؤمنون أن مستوى المواطن المتوسط يجعله يهاجم الحكومة، وأن مستوى الطالب المتميز يجعله يهاجم السيسي، فيستيقظ السيسي يوميًا وسط حراسات مكثفة، ويمر في الشوارع بتأمينات معقدة، كل من في الموكب يفطن بأنه يؤمن ويخشى في رأس السلطة، تلك مهمة شاقة، الإعلام والصحف والشعوب في مصر وخارجها، ينظرون له باعتباره الرجل الأول، ولكن في الأصل ووفق حسبة العصابات، فهو المتحدث الرسمي للمافيا، أى أنه الطرف الأكثر إستعدادًا للتضحية به منذ ظهوره في اللحظة الأولى، حفاظًا على صدر المافيا ورأسها وقوامها وسلامة أنشطتها، فيفعل ما يفعل ويقول ما يقول وفق سياقات لا يكترثون بها إطلاقا، وفي النهاية هو مجرد شخص خرج من تحت الأرض، فبات محروقا من اليوم الأول فداء التنظيم.

لنفكر ببساطة، ماذا لو كان مرسي أكمل مدته الرئاسية وفشل، وترشح آخر بعده، هل كان سيفتك أحدهم بتنظيم الإخوان أو يقصي مرشحيه في المرات المتكررة؟ كان سيعتبر مرسي مجرد مرشح وفشل، وعلى ذلك فعندما خرج الجيش مع الشعب لإزاحة مرسي من السلطة، لم يكتف بذلك لأنه لم يكن الغرض، ولكن كان الغرض الإنهاء على الإخوان تمامًا، على التنظيم، الذي يستطيع أن يتحايل هو الآخر على المواطنين، ويقدم أحدهم بوصفه رئيسا للمصريين، ولكنه هو الآخر ليس أكثر من متحدث رسمي، حُرق من اليوم الأول، فداء للتنظيم الذي مهما بلغت شراسته لا يملك كل هذا السلاح والأراضي والخرائط والمواطنين، وعلى ذلك فالخطاب الذي تصدره الدولة للمواطنين في أية قضية كانت.. تيران وصنافير أو الحرب على الإرهاب، ليس هو ما يشغل عقل التنظيم بالضرورة، ولذلك نرى الرئيس المُنتخب يستغل لقاءاته الصحفية لإظهار قدراته الفنية المونولجستية، ويصبح له لزمات كحال الفنانين الهواة يتذكرهم بها الجمهور بعد التقاعد، وتجده يلهو مع الإعلام والشعب بأن يقول هذا عام الشباب وذاك عام المرأة، ويفتك بهم وكأنه يلهو معهم في فيلم رعب، ويبرم صفقات يعتبرها الجميع عارا على الجنسية المصرية، وفي الحقيقة أنها ليست عارا على التنظيم، فهذا مجرد رئيس له ما له وعليه ما عليه، مثل كل من قد يخلفه، والتنظيم ليس له يد في ذلك وفق القانون، وتبرع الحكومة في التضييق على الشباب والحقوقيين والزج بهم في السجون شر زجة.

وفي نهاية الأمر، فالتنظيم مع الشعب دائما وأبدا، وسيساعده في الإطاحة بكل من تسول له نفسه الإفتراء على المصريين. ورغم كل تلك المشاعر الحميمة، فهى لا تشغل التنظيم، فما يشغل التنظيم هو موارده الخاصة الخارجة عن الدخل القومي والميزانية وكل تلك الأشياء التي تشغل المهتمين بمصير الدولة، ويهتم بالسيطرة على أى منتج رائج وتصنيعه، صفقات السلاح الخرافية التي تدعم موقفه دوليًا، الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي، تأييد الداخل والخارج في مواجهة الإرهاب، ليس كرهًا في الإرهاب أو رغبة في مواجهته بحق، ولكن لأن ذلك يدعم حالة الفراغ التي لا يستطيعون إثرائها، فقط لأنه تنظيم عصابي مخول بجلب الأموال والحفاظ على قوامه، ليس أكثر من ذلك، وإن سقطت مصر أو طفا الجنيه في البلاعات العمومية أو ثارت الفوضى، فكل ذلك لا يؤدي بالضرورة لشئ سوى أن يطل التنظيم مرة أخرى برأس مموهة للمشهد بمزيد من العروض الفنية عن وحدة الشعب والتنظيم وقدرتهم على المرور، والحق أنهم قادرين دائما على المرور تحت أى ظرف على أجساد المتابعين المٌنهكين أمام الشاشات، فقط لأن الجميع خارجهم بعيد جدًا عن أن يرى. وبالتبعية فهو أبعد بكثير عن أن يُرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top