أحمد السيد الكيال يكتب: تقبُل الحقائق

Accepting facts:

في فترة كنت أعاني فيها الارتباك الشديد، والقلق والتوتر، ولا أستطيع أن أفكر تماما فيما يجب عليّ فعله، كنت مثالا لشخص تائه تماما، بعد تجربة معقدة، أفضت إلى نتائج أكثر تعقيدًا، أتت إليّ نصيحة (نفسية أو سلوكية) سمها ما شئت، ربما لم أكن المقصود بها، ربما ذلك الشخص (شديد القرب والمنزلة) كان هو المقصود بتلك النصحية، إعتقد إنها قد تنفعني، فألقاها في صدري بكل قوة مع نظرة ثاقبة: (تقبل الحقائق).
بصراحة شديدة، في بداية الأمر تلقفتها كقرص (مسكن)، بالرغم من أني أعترف أن الجملة أثارت إنتباهي بالفعل، إلا أنني فعلت كما يفعل الناس عادة في المجتمعات الشرقية (والغربية أحيانًا)، فيقصدون المساجد والكنائس عند الأزمات الكبري، ثم يقنعون أنفسهم بأفكار سلبية تمنحهم القدرة على التجاهل تحت عنوان (القدر، وليس شيئًا أفضل من المكتوب، والله يخفي الأفضل لك)، وفي الحقيقة الله بريء مما يقولون.
لم أستطع أن أتأقلم مع السلوك الإنهزامي، ولم يتوقف عقلي عن التفكير، وصارت الأسئلة تطاردني، وتلح عليّ وأحيانًا تحرمني النوم، وأهم هذه الأسئلة كانت الثلاثة التالية:
ما هي الحقيقة؟ وما هي الحقيقة التي يجب أن تتقبلها؟ وما هي الحقيقة التي يمكن أن تغيرها؟
وأبحرت بداخلي باحثًا عن الإجابات، فأنا أملك العديد من الجزر والمحطات التي توقفت عليها في حياتي، ورغم أنه من الممكن أن تكون كل واحدة منها بمثابة جزيرة منعزلة، إلا أنه الآن وبلا شك قد ترابطت بشكل وثيق، واندمجت أمامي في كتاب تجربة حياة شيقة ومليئة بالإثارة، عدد غير طبيعي من العلاقات الإنسانية على جميع المستويات، وتجربة حب واحدة، سبقتها العديد من التجارب التي كنت أظنها حبا، باختصار أمام كم هائل من التجارب والمعلومات، والنتائج التي تصلح للقياس.
ما هي الحقيقة؟
حقيقة عقلية أو حسية حدسية!

(التماسك المنطقي، المطابقة مع الواقع)، والبعض يؤسس أن (الحقيقة على المنفعة)، أو أنها (ما تكشفه من أوهام)، كما أصبح الوجه الآخر للحقيقة هو (السلطة).
ويأتي أهم معيار لقياس الحقيقة من وجهة نظري معيار ديكارت (البداهة العقلية)، أي أنك ستعتقد في صحة هذه الحقيقة إذا تمثلت للعقل بكل وضوح وتميز، ولم تدع أي مجال للشك.
ببساطة الحقيقة متماسكة منطقيا ومطابقة للواقع (ليست خيالًا أو أوهام)، ويجب أن تتفق مع عقلك بديهيًا ولا تحتاج أن تفكر فيها مليا أو تتشكك.
كما أننا يجب ألا نغفل أن الحقيقة بناء، أي أنها مجموعة من الشواهد المتجانسة تمر لديك على أربعة معايير (البداهة، التحليل، التركيب والمراجعة)، فتصبح حقيقة.
إذن ما هي الحقيقة التي ستقبلها ولا تستطيع تغييرها؟
هي ببساطة الحقيقة الثابتة المحسومة، التي لا تملك فيها قرارا، إذا مات أحد ما.. هل تستطيع إعادتة؟ لن تستطيع بالفعل، لأنه لا يسعك إعادة الموتى إلى الحياة، هذا هو المثال الأبرز على الحقيقة غير القابلة للتغيير، أو أنها حقيقة تخص غيرك حتى لو كانت تهمك، وضع لا يتاح فيه لك إلا النصح، لذا يمكنك أيضا أن تفسرها بأنها الحقيقة التي ليس لديك السلطة لتغييرها.
وأخيرًا.. ما هي الحقيقة التي تستطيع تغييرها؟
أي حقيقة تخصك أنت شخصيًا تستطيع أن تغيرها، فقط يجب أن تتقبل الحقيقة وتصدقها، ومن ثم تستطيع أن تعمل على تغييرها، على سبيل المثال إذا كنت تعاني من \”البدانه\”، يجب أن تصدق ذلك، ثم ترفض أن تستلم وتبدأ في التغيير.
الخلاصة:
المشكلة الكبرى في هذا الموضوع الهام، أن الكثيرين منا يزيفون الحقائق وفقًا لأهوائهم! حيث إن أهم عدو لـ(تقبل الحقائق) هو العناد.. يكون الشخص غير مقتنع بأن ما يدعيه حقيقي، ثم يحاول أن يقنع من حوله أنها حقيقة، فيفشل في ذلك فشلًا ذريعًا، لأنه في كامل وعية يعلم أنه إدعاء، ولا يستطيع أن يقنع نفسه على الأقل.
كما أنك لا يمكنك اعتبار ما تريد قبوله حقيقة، إذا كانت تساورك حوله الشكوك! يجب أن تأخذ وقتك كاملًا للتأكد التام من جميع الشكوك حتى تعتبر أن ما تتعامل معه شيء حقيقي.

في النهاية:
يجب أن تكون مقتنعًا في البداية أن ما تعمل على تقبله هو حقيقة، ويجب ألا يكون المحرك الأساسي لديك هو العناد، أو تتعامل مع أي شيء على أنه حقيقة، بينما أنت محاصر بالشكوك، ويجب أن تكون متأكدًا أن أي حقيقة تمتلك فيها سلطة أو (قرارا)، يمكنك أن تعمل على تغييرها وقتما شئت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top