في الأسبوع الماضي، رأيت حلمًا غريبا، صوت شخص ما، أظنه صديقا، ولكني لا أراه، قال لي بصوت واثق:
\”أتريد أن تجرب شيئًا مثيرًا، هل جربت أن تموت من قبل؟\”
كنت مندهشًا ومستسلمًا في نفس الوقت، أكمل نفس الصوت حديثه:
\”لا تخف، لن تموت للأبد، ستحيا مرة أخرى\”
ثم ضحك وقال:
\”ولكي تكون التجربة أكثر إثارة، سأنفذ فيك حكمًا بالإعدام\”
ثم وجدت نفسي موثق اليدين، ورغم أن قماشة زرقاء كانت ملفوفة على عيني؛ إلا أنني كنت أرى كل شيء بوضوح، وتحت شمس ساطعة، أسير ببطء على طريق أسفلتي، بموازاة سور منطقة عسكرية، وقبل (سيخ حديدي) مغروس على يميني، أدرت رأسي يمينًا لأرى بوابة تلك المنطقة العسكرية، وما إن صرت بمحاذاة ذلك السيخ الحديدي، وأعدت نظري إلى الأمام، حتى غُرس في رأسي من الخلف نصل على شكل صليب، مدبب كمسمار كبير، شعرت بألم شديد، وشعرت بروحي تفارق جسدي، وفي تلك اللحظة أستيقظت مفزوعًا.
عندما أفقت، لم أكن خائفًا، ولكني كنت حزينًا، لا أعلم لماذا لم أشعر أنه كابوس، في الحقيقة أنا أنتظر لقاء أحد معارفي، هو يفهم جيدًا في تفسير الأحلام، ورغم أنه طوال الأسبوع الفائت، سيطرت عليّ فكرة ألا أفكر كثيرًا فيما أريد فعله، وأن أتعامل بعفوية وبلا تردد أكثر مما مضى، إلا أن هناك أمرًا شغلني دون سواه.. الموت ثم العودة من جديد، يا لها من تجربة مثيرة، أموت وأشاهد بنفسي رد فعل ذلك الحدث على من يعرفني، ولست منتظرًا لأرى أسرتي (العاطفية جدًا) في هذا الموقف، أتمنى أن يكون بعيدًا عنهم، ولكني بالفعل مهتم بموقف آخرين من موتي، حتى لو كان موتًا مؤقتًا.
ماذا ستفعل من أراها أجمل فتاة على وجه الأرض؟ هل ستصرخ عندما تسمع الخبر؟ هل ستجهش بالبكاء؟ أو تقول ليتنا ما توقفنا عن الحديث واللقاء آخر شهور من عمره؟ أو تشعر بأنها كانت تريد أن تمنحني عناقًا وقبلة أخيرة؟ هل ستشعر بالحزن الشديد؟ هل ستفتقد شيئًا ما في هذه الحياة وسيمثل فقدي فارقًا؟ هل ستمسك بإحدى الهدايا البسيطة القليلة التي أحضرتها لها وتحتضنها؟ هل سيرفض القاطن بجوار الخليج العربي تصديق الخبر؟ هل سيبكي بشده ويقول: \”لا.. أنتم تكذبون، سيرسل لي رسالة صوتية في الماسنجر بعد قليل\”
هل سيقف من يكبرني ببضع سنوات في المقهى مفزوعًا؟ ثم يقول: \”أنه ولدي\”، ثم يبكي قليلًا، ويبحث عني حتى يحكي لي عن حسنات فقيده ومصابه الأليم، فيجدني فقيده؟ هل سيذهب أحدهم إلى ضريح (عبدالناصر) يقرأ له الفاتحه ثم يبكي، ويقول قضيت معه أوقاتًا رائعه، كان يهون علي بعض الأحزان؟
هل سيجلس ذلك الفيلسوف الصغير على المقهى مع بعض الرفاق؟ ثم يخبرهم أنه برغم لقاءاتنا البسيطة، إكتشف أنني صاحب قضية في الحب، وأن بعض كلماتي تماست مع ما يشعر به، ويخفيه بقلبه؟
هل سيذهب ذلك الرجل الأربعيني خصيصًا إلى الكنيسة؟ ليشعل لي شمعة تحت صورة (السيدة العذراء)، ثم يصلي لي ويقول: كان متسامحًا ويحبنا؟
هل سيذكرني هؤلاء الشباب وقت مباراة الزمالك؟ هل سيقولون كان مشجعًا متحمسًا وكان شخصًا لطيفًا؟
هل سيكتب أحدهم عني قصيدة رثاء ويسميها (كان صديقي)، ويذكر فيها مواقف إنسانية، وبعض الذكريات؟
هل سيجمع أحدهم كتاباتي، ويكتب لها مقدمة، ثم ينشرها في كتاب، ويضع على الغلاف صورة ضاحكة لي، ويكتب تحتها: كان من الممكن أن يصبح كاتبًا جيدًا؟
هل هناك من سيرسم لي لوحة، ويسميها \”الوداع\”، وربما يشترك بها في مسابقة لأكثر اللوحات تعبيرًا عن (الحزن)؟
هل هناك شخص ما سيسعد عندما يسمع الخبر، ويقول أخيرًا نفق، وارتحنا من هذا الصداع؟
كم من الوقت على هذه الأرض؛ سيبقى هناك من يحزن عندما يتذكرني، ويشعر برعشة عندما يتذكر صوتي، وتسقط دمعة ساخنة على خده، ويذهب وحيدًا إلى مكان ذهبنا فيه سويًا؟
لماذا تنهمر دموعي وأنا أكتب تلك الكلمات؟ هل أخاف الموت؟ أم أخاف أن أُنسى؟
يقابلني محمود درويش وهو يرتدي بدلة أنيقة، يضع يده على كتفي ويقول: \”تُنسى كأنك لم تكن\”.
ماذا لو مت مؤقتًا، وعدت إلى هذه الحياة مرة أخرى، هل سيفرحون؟ هل سأجدهم حولي يحملون باقات الورد البيضاء؟
في الحقيقة، لم أجد بداخلي أي إجابات، في هذا الأمر بالذات لم يلهمني المنطق إجابة، وأعتقد أن الحدس أمر مرتبط بالحياة لا الموت، لكني فقط زاد إيماني بأمر واحد:
سأفعل ما أريد، حتى لا أندم على أنني لم أفعل، سأحبها وأحبهم، ولن أتوقف عن الحب ما دمت حيا.