أطفال تتراوح أعمارنا بين العاشرة والحادية عشر.. يختلط في أعيننا القلق مما نحن مقبلين عليه، والزهو لأننا تركنا فصول الدراسة المملة بما يحدث فيها، وذهبنا لنغني باسم مدرستنا.
شوارع جديدة لم نرها من قبل حتى نصل لمدرسة أخرى كبيرة تقام فيها المسابقة.. نقف صفا واحدا.. تتقدم إحدانا لتردد المقطع الأول من أغنية الأطفال الشهيرة \”يعني إيه كلمة وطن\”، ونستعد نحن لنكمل بقية المقاطع.
لا اتذكر تحديدا مفهومي عن الوطن وقتها، لكنه لم يكن يختلف كثيرا عن كلمات الأغنية بكل تأكيد، ولم يكن يختلف عن مواضيع التعبير التي نكتبها بكل سهولة، ونخرج من الامتحان سعداء لأنهم طلبوا منا الكتابة عن شيء معتاد سطحي مثل الوطن!
اذكر أنني عندما كبرت قليلا قررت تغيير ما أكتبه ليصبح شخصيا إلى حد ما -بعد أن كان عرضا للآثار السياحية الموجودة في هذا الوطن- ولكني لم أصل أبدا للمعنى الحقيقي الذي أشعر به الآن، والذي اكتشفت مؤخرا أنه حقيقي بالنسبة لي أنا فقط، وهراء بالنسبة لأي شخص آخر.. تلك التفاصيل الصغيرة التي تخصك أنت وحدك، والتي لا يتذكرها حتى الذين شاركوك فيها، فهي لم تخط على روحهم نفس الآثار التي خطتها على روحك.. ذلك التوق الدائم لمغادرة ذلك الوطن، والذي تعرف جيدا أنك لن تستطيع تحقيقه، أو ستحققه ولن تستطيع تحمله.. تلك العلاقة المعقدة جدا التي لا يفهمها أحد حتى أصحابها، فيتركونها لتنضم لعجائب الحياة التي لم نعرف لها سببا يوما ما.
ما زلت أحاول فهم الوطن وجعله يفهمني، وأعلم أنه سيزداد تعقيدا ويفسد كل محاولاتي لفهمه. ولكني أعلم أنه بعيد كل البعد عما غنيته وأنا ابنة العاشرة.
وقفنا مجددا في صف واحد بعد انتهاء كل منا من مقطعها وقلنا في نفس الوقت:
\”هوا ده معنى الوطن…. هوا ده معنى الوطن\”
وصفق الجميع.