\”الشعب يريد إسقاط النظام\”.. أرادوا وأردنا معهم.. ثورة الشباب كانت، واعتبرنا أنفسنا منهم رغم تفكيرنا الذي ما زال منصبا على بقية الاختبارات التي لم نؤدها ولا نعلم إن كان هناك ما سيعوق تأديتها، ورغم آرائنا السياسية الساذجة جدا والتي تعتبر تكرار لما يقوله الكبار في معظم الأحوال.
مراهق في الثالثة عشرة من عمره يحلم بالعالم المثالي، فيفاجأ أنه أصبح كذلك بمجرد مرور أسبوعين أو أكثر من ذلك، بل هو أكثر من مثالي. فقد تخلصت الدولة من الفساد وحصل هو على إجازة طويلة من الدراسة. يرتدي نظاراته الوردية، فيجد الجميع من حوله يرتدون مثلها حتى من بلغ الستين من عمره.. فئة قليلة تعترض. لا يجد صعوبة في توجيه كراهيته إليهم، فهم يهددون عالمه المثالي.
أربعة عشر عاما: يدرك أنه كبر وسيكون في أي وقت من شباب الثورة.. هو اعتبر نفسه منهم أصلا، فهو لم يعد طفلا.
يرى أن العالم ليس بالجمال الذي تخيله.. يرى شبابا يسقطون وآخرين يهللون لسقوطهم.. يداعبه حلم البطولة، فيتمنى أن يكون معهم.. أن تتغنى الناس بشجاعته ووقوفه ضد الفساد.
لا يدري هل هو يريد المواجهة حقا أم يحسب نفسه بطلا قادرا على كل شيء.. يظن أن البلاد تسير في المسار الصحيح.. هناك بعض العثرات، لكنها ستنتهي ونتخلص منهم جميعا.
يؤلف الأشعار ككل من كان في مثل عمره.. يستبدل أشعار الحب بأشعار الوطنية وضرورة المواجهة.
خمسة عشر عاما: أدرك أن صوته يمكن أن يكون مسموعا، فلا أحد يعرف عمرك في هذه الغابة الإلكترونية.. يتحمس بشدة.. يسب ويلعن من يعارضه.. يقوم بإلغاء صداقة كل من يخالفونه في الرأي، لكنه لا يستطيع إلغاء وجودهم في الحياة غير الافتراضية، فيحاول إغاظتهم والانتصار عليهم بالكلمات، كما يحاول دائما أن يهديهم إلى طريق الحق الذي يتبعه والذي لا يدركون هم أنه كذلك، فإن لم يهتدوا يبدأ في سبهم مجددا ويتجنب الحديث معهم.
يعدون الانتصارات السياسية لكل فريق وهم يتناولون الإفطار في ملعب المدرسة.
ستة عشر عاما: هو لا يدرك بالظبط ماذا حدث له، لكنه يدرك أن الأمر لم يصبح مجرد لعبة يتسلون فيها بإغاظة بعضهم.. يدرك فجأة عدد من قتلوا في تلك السنوات القليلة.. يحالفه الحظ فيكون ممن أدركوا أنهم قتلوا فقط، ولم يهتموا بما كانوا عليه قبل ذلك.. يبدأ برؤية العالم بوجهه الحقيقي.. معظم من يعرفهم بدأوا بذلك على اختلاف أعمارهم.. تتساقط المثالية الزائفة ويفقد الحماس الذي كان يحركه.. لم يعد يريد أن يكون بطلا أسطوريا، هو فقط يريد أن يكمل دراسته بسلام.
يقرأ بنهم.. يفكر قليلا ثم يعيد صداقة من كان قد قاطعهم منذ فترة، أي فترة حتى ولو كانت قصيرة قادرة على تغيير عقل مراهق وجعله إنسانا آخر.
يفاجأ أنهم بشر يحبون ما يحب ويكرهون ما يكره.. يرى ما يكتبون، فيعجبه بعضه ويتجاهل البعض الآخر.. اختفى الغل من قلبه.
سبعة عشر عاما: لقد كبرت، يقولها لنفسه وهو متيقن منها.. لم يصبح شابا بعد، لكنه لم يعد أيضا ذلك المراهق الأحمق.. يقرأ أكثر.. يقرأ في كل شيء، ويتابع كل من يخالفه في الرأي حتى يجبر نفسه على رؤية ما يكتبون دون أن يتمنى زوال أحدهم من الوجود.
ثمانية عشر عاما: الكل يريد الفرار.. الكل يتملكه اليأس، فلماذا يكون هو استثناءا؟ يحاول الاستمرار في حياته دون أن يفكر في أي شيء يخص المستقبل، لكن هذا مستحيل. أحيانا يرى المستقبل المبهج التقليدي الذي يراه أي مراهق مثله، وأحيانا يحاول حساب توقيت انهيار كل شيء وما سيفعله بعدها.. يحاول الصمود.. يظن أن قصته مختلفة، وما إن ينظر في الوجوه من حوله حتى يدرك أن الجميع يمر بنفس المرحلة، والجميع هذه المرة أيضا تعني كل المراحل العمرية حتى من بلغ الستين.
**********
أحيانا أظن أننا أدركنا الحقيقة متأخرا، ثم أدرك أننا ممن حالفهم الحظ ليتزامن تخبط المجتمع مع تخبطهم في متاهات مراهقتهم الخاصة، واقتربوا من التعقل تزامنا مع اقتراب تحولهم لراشدين من المفترض أن يفكروا بمنطقية.
لم نضيع الكثير من السنوات في إدراك ذلك.. يمكن أن نقول إننا تخبطنا في الوقت الذي يسمح فيه بالتخبط، وتعقلنا في الوقت الذي يتوقع فيه الجميع منا أن نفعل.. لقد استفدنا من التوافق الزمني بطريقة ملفتة، لكني رغم ذلك لم أستطع أبدا معرفة كيف سنعيش بذلك الإدراك.