آلاء الكسباني تكتب: من قال إن بنطال "سانتا كلوز" يجب أن يكون أحمر اللون؟

سأحكي لك عن قصة لم أحكها للكثيرين.. حين كنت طفلاً، كان لدي مُعلمة تُدعى الآنسة بورتر، وقد كانت بائسة للغاية! أعطتنا قبل أجازة عيد الميلاد أوراقا عليها رسمة سانتا كلوز، وطلبت منا تلوينها، فقررت أن ألونه كما يراه عقلي الصغير.. لونت بنطاله بالأزرق.. فوجدت الآنسة بورتر فجأة بجانبي، حملت ورقتي حتى يتسنى للصف كله مشاهدتها، وقالت بأعلى صوت لديها: \”كلنا نعلم أن بزة سانتا كلوز حمراء اللون، لكن سام هنا، قرر تلوين بنطاله بالأزرق ولذا…\”

ثم مزقت رسمتي إلى نصفين، وأعطتني رسمة آخرى لأبدأ من جديد.. بالأحمر فقط. حضر أبى إلى المدرسة في اليوم التالي، ودلف إلى الصف حاملاً رسمتي المُمزقة، صارخا في وجه الآنسة بورتر: \”من قال إن بنطال سانتا كلوز يجب أن يكون أحمر اللون؟! من قال هذا؟!\”

ومن يومها أصبح هذا السؤال بمثابة صيحة القتال في منزلي، أصبح شعارا لي في الحياة، كلما رآني أحدهم مُختلفاً عن الآخرين، أصيح بأعلى صوتي: \”من قال إن بنطال سانتا كلوز يجب أن يكون أحمر اللون؟!\”

جعلني سام اتساءل: من الذي يضع القواعد والمعايير التي يجب أن يسير بها البشر؟ ولماذا يضعها؟! لماذا يُصر الجميع على أن يكون الآخرين مثلهم.. متشابهين.. مملين؟! لماذا لا يُترك لكل إنسان المساحة الكافية والحرية اللازمة ليضيف لمسته السحرية على الأشياء حتى ولو مُختلفة؟!

سام، رجل لطيف للغاية، لكنه ليس وسيماً، يعمل كمحاسب قانوني بشركة ما، شركة تعمل بها آني.

يحب سام آني كثيرا، يلتقط لها الصور المُفاجئة لأنه على حد قوله حين يرى شيئا جميلا يرغب فى رؤيته دائما، يحاول أن يلفت نظرها كثيرا، ويعلم مدى حبها لأعز اصدقائها، الذي يُدعى بمحض الصدفة أيضاّ سام، فُيلقب نفسه أمامها ب سام 2، حتى لا يختلط عليها الأمر!

آني فتاة جميلة للغاية رغم مرضها بمرض الثعلبة الذي يُفقدها شعرها.

تُعد آني فقاعة رقيقة من الطاقة الإيجابية، تمنح الجميع الحب والصلابة والأمل، لكنها هشة بدرجة كبيرة رغم ابتسامتها الأكثر صفاء من سماء الربيع، لا يُدرك هشاشتها سوى أعز اصدقائها سام.

\”سام، سامي، هيا تناول سماعة الهاتف وحادثني.

حسنا، أنا أعلم أنك بالمنزل ولن ترد، هذا يعني أنك حزين للغاية.. سأحكي لك شيئا لربما يُبدد حزنك، كنت أجلس مع سام 2 بالمطعم، في مُحاولة فاشلة مني للتخلص منه، وجدته يخبرني بأن أُغمض عيني وأستمع له فحسب.

قال لي إنني أستحق أن أُعشق، وإن كنت لا أرى هذا، فهذه هي مشكلتي وحدي، أما هو سيظل يعشقني، لذا يجب علي أن أستسلم لقلبه ولا أقاوم، وأن استمتع بالعشق الذي يمنحني إياه.. وما إن فتحت عيناي حتى شعرت بأن ذرات وجهه قد تجمعت من جديد، لتكُون وجها للرجل الأكثر وسامة على الإطلاق!

هيا يا سامي، أخرج للعالم وأحصل على الحب الذي تستحقه.

لطالما ضممتني يا سام، لطالما طمأنتني، لطالما نصحتني أن أخرج إلى العالم لأنال الحب الذي أستحق، وقد حان دوري الآن لأقول لك هذه الكلمات: أحبك كثيراً يا سام، فلتخرج ولتنل ما تستحق\”

ذكرتني علاقة سام وآني بعلاقتي بصديقي الحميم، علاقة مليئة بالحب والشغف والقوة.. القوة التي أستمدها من نظرة عينيه الحانيتين حين يخبرني بأنه الوحيد الذي يستطيع أن ينفذ إلى أعماقي و يرى هشاشتي.. القوة التي أستمدها من ابتسامته الدافئة حين يخبرني بأنني أستحق الحب!

سام كاتب مقالات وقصص قصيرة، يحاول مرارا أن يكتب رواية، لكن روايته لا تنتهي أبدا في نظره، دائماً ما ينقصها شئ، برغم إصرار آني على إقناعه بأنها أكثر من رائعة، وتدبيرها موعد له مع ناشر كبير، إلا إنه في بحث دائم عن العنصر المفقود!

يقول سام إنه قرأ يوماً لكاتب كبير كتاباً يقول فيه إن المرء سينظر لنفسه بسخرية بعد خمسة أعوام من الآن، لذا أي شئ يفعله عن اقتناع كبير اليوم، بعد خمسة أعوام سيصبح أغبى شئ كان من الممكن فعله حينذاك.

يرى سام طفلاً، يعرف فيما بعد أن أسمه راشين، ينفصل عن سيدة كبيرة في مترو الأنفاق، ويحاول تسليمه للشرطة، لكن توسلات الطفل له بآلا يعيده إلى تلك السيدة المجنونة التي تُشقيه في دور رعاية الأطفال، فيأخذه لبيته، وتزداد قوة العلاقة بينهما فى أحداث متلاحقة وشيقة للغاية.

لسام إبنة عم صغيرة، تكره الزواج لتاريخ عائلتها السئ مع الطلاق، ورغم ذلك تحب شابا وسيما، يتحمل طباعها المجنونة ومزاجها السئ ويحتويها برقة، يحرص كل الحرص على أن يظل دائما بجانبها، حتى وإن قذفت على رأسه مزهرية اثناء مشاجرة كبيرة بينهما!

فيلم Happy, Thank you, More please

هو من أفضل الأفلام التي رأيتها في حياتي، أكثر ما أحببت فيه أنه يمكن للقارئ فهم نهايته بسهولة رغم أنها مفتوح!

يتناول الفيلم العلاقات الإنسانية بشكل متشعب وفريد من نوعه، وأحسست بواقعيته الشديدة، أدركت به إن القواعد البلهاء ليس لها أي معنى، ويمكن كسرها بكل سهولة.

أدركت به أن الحب القوي ليس فقط حب العشق والغرام، بل هناك أشكال آخرى أكثر قوة، حب الصداقة، وحب الأبوة.

أدركت به حاجتنا إلى أن نستمد القوة ممن نحب، وأنه لا ضير ولا عيب في أن نلقي بما يثقل صدورنا على أحبائنا، لأنهم سيظلون معنا حتى النهاية.

أدركت به، أننا يجب أن نحافظ على وعودنا لمن ساعدنا يوماً ما.

– \”عدني بشئ واحد يا راشين.. لا تكف عن الرسم مُطلقاً

– أعدك يا سام

– أن سأحضر لك عرضا للوحاتك بعد 20 عاما من الآن، لكنني لن أستطيع شراء إحداها، لأنني لن أتمكن من بيع رواياتي وربما لن أكون غنيا، سأكون محظوظا إن وقعت لي على منديلي باسمك عدني مجددا يا راشين.

– أعدك، أعدك يا سام\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top