آلاء الكسباني تكتب: لسن "باربي"

(1)

لا أنكر أن صورة وزيرات الوزارة المصرية الأخيرة، وهن يحلفن اليمين قد أسعدتني بشدة، ودغدغت مشاعري كنسوية صميمة، ورسمت على ثغري ابتسامة انتصار صغيرة تريدني أن أواريها، لعلمي أن هذا ما هو إلا انتصار واه، وأن دولتنا الحبيبة لا تفعل شيئا لوجه الله، فتولي المرأة لأي منصب في دولتنا، لا يكون من باب تمكين المرأة في المجتمع أو حصولها على حقوقها –لا سمح الله- بل هي أجندة سخيفة تتبعها منذ عقود، منذ عهد ماما سوزان مبارك \”راعية حقوق المرأة والطفل\” في مصر، وإنما من أجل إكمال الصورة المنقوصة، ورص الميداليات على حائط الجوائز، لإثبات أن مصر دولة متحضرة ديمقراطية لا يوجد بها فصيل مُهمش.

إلا إن التعليقات المُصاحبة لهذه الصورة على موقع التواصل الاجتماعي \”الفيسبوك\”، قتلت هذه الفرحة الصغيرة التي أعترتنى.

(2)

تنوعت التعليقات ما بين مؤيد ومعارض، على كفاءات الوزيرات أو دراستهن أو إنجازاتهن التي جعلتهن منوطات بهذا العمل؟ لا إطلاقا، على تبرجهن وملابسهن وشعرهن، فقد ظل مظهرهن هو الشغل الشاغل الوحيد للجميع!

تداول المؤيدون من \”المثقفين العلمانيين\” الصورة بتعليقات تهنئ الشعب المصري بمناسبة عبور مصر لعنق الزجاجة، والخروج من الوهابية والتخلف، وإحياء مجد الأمة، مُهللين مُصفقين، مُعتبرين أن هذه ما هي إلا البداية، وأن الضالين من المحجبات والمنتقبات مصيرهن الهداية، وأن النقاب مصيره إلى زوال.

أما المعارضين، فكانوا من الطبقة المتوسطة السمحة، وقد عارضوا بشدة ظهور وزيرة بفستان \”نصف كم\”، مُؤكدين أن هذا ما هو إلا انحلالا، داعيين إلى التمسك بالاحتشام والملابس الأنيقة التي تستر العورة – العورة هنا هي ذراع الوزيرة-! لأن هذا لا يليق بوزيرة في وزارة مصرية وقدوة لفتيات مصر.

والحقيقة أني لم أملك سوى تصفح \”الفيسبوك\” والإحساس بالحسرة.

(3)

لم يعد بإمكاني التحمل، لم يعد بإمكاني مشاهدة التيار الذي يُلقب نفسه بالعلماني يتهم المنتقبات والمحجبات بالتخلف، وينعتهن بشتائم يندى لها الجبين، بسبب خوفه غير المبرر من الحجاب والنقاب والإسلاموفوبيا المُتمكنة من قلوب وعقول معتنقيه.

لم يعد بإمكاني تحمل دروس الأخلاق الحميدة التي تعلمنا إياها الطبقة المتوسطة، والتي تُكتب على غلاف كتب اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة، رغم أنني أعيش فيها منذ أن وعيت أني امرأة ولي حقوق مسلوبة، لم يعد بإمكاني تحمل فكرة أن الفساتين ذات الأكمام المنتصفة يمكن أن تجعلني عورة، وأنني حتى اكون امرأة مقبولة في هذا المجتمع يجب أن اختار ملابسي من القسم الرجالي واتعفف عن طبيعتي الأنثوية التي هي أساس كل الشرور والفتن والغواية!

لطالما تساءلت، ما سر إصرار رجال هذا المجتمع على الإدلاء بآرائهم في شئ لا يخصهم نهائيا, فهم لن يرتدوا الحجاب ولن يخلعوه، ولن يشعرهم الفستان ذو الأكمام المنتصفة بأي إضافة لحياتهم، لماذا يظل شكل المرأة وملابسها وطريقة كلامها.. مشيتها وتبرجها محورا كلاميا مهما وأساسيا، بالرغم من أنه لن يؤثر سوى على المرأة نفسها!

إن ما يفعله المجتمع معنا من تحكم في طريقة ملابسنا، وفتحه لدواليب غرفنا على مصراعيها، ما هو إلا وسيلة بطيئة لتشويهنا شكليا ونفسياً، فلتتخيل معي عزيزي القارئ أنك تستيقظ كل صباح لتجد أن هناك من يتربص بك، يتحكم في أبسط أمور حياتك، يخبرك ما الذي يجب أن ترتديه، وإن خالفته ينعتك بالتخلف أو العُهر، تخيل أن يتم الحكم عليك في غضون ثوان فقط من طريقة ملابسك، أن تُقبل أو تُرفض في وظيفة بسبب أنك لم تظهر ما يكفي من جسدك أو أظهرت أكثر من اللازم –في نظر من يعيّنك بالطبع- لا ينتبه أحد لسنوات العمر التي انفقتها في إعداد نفسك، لا ينتبه أحد لكم لغة تتقن، لكم شهادة تمتلك، لكم علم تعرفه، فقط يهتمون لانحناءات جسدك في فستان منتصف الأكمام أو عباءة سوداء واسعة.

(4)

منذ عامين, حين كنت لازلت ادرس بكلية العلوم السياسية بالقاهرة، كان الإنترنت كافيه أو كما نلقبه بـ \”السايبر\”، هو ثاني أكثر مكان أمضي فيه وقتي بعد بيت الطالبات، حيث لم يكن متاحا لنا خدمة إنترنت سريعة ورخيصة وسهلة، وفي يوم من الأيام وأنا هناك، وبعد أن أمضيت خمس ساعات متواصلة للأنهي بحثا مهما باللغة الإنجليزية، أجد شابة جميلة تصغرني بعامين أو أقل، تقترب مني وتطلب في استحياء أن أترجم لها المكتوب في هذه الورقة، كانت الورقة بالإنجليزية وتتحدث عن كيفية إعداد سيرة ذاتية لإرسالها لشركة طيران مشهورة من أجل وظيفة \”مضيفة طيران\”، بعد أن ساعدتها وهممت بالرحيل، أستوقفتها لأسألها: كيف ستلتحق بالعمل وهي لا تعرف اللغات، قالت إن هذه مجرد شكليات وأن لديها من سيعينها بالداخل، وجل ما يهم أن جسدها رشيق بما يكفي لأن تذهب للعمل مرتدية تنورة قصيرة! أصابني الإحباط ولم أكمل البحث، فأنا أعلم أن مصيره رفا صغيرا أسفل مكتب المعيدة في غرفة المعيدين، ومصيري أن أسرح في الطرقات بمشنة مملؤة بالجرجير، لأنني لن أذهب يوماً لعملي مرتدية تنورة قصيرة.

(5)

ظهرت منذ بضعة أيام النجمة الجميلة \”نيللي كريم\” في صورة لها علي \”الفيسبوك\” منكوشة الشعر، مصابة بالبرد، لا تضع أي مساحيق تجميل، غير عابئة بشكلها كفنانة ونجمة حسناء، وسبقتها في ذلك النجمة الجميلة \”هند صبرى\”، ومن قبلهما معشوقتي \”جوليا روبرتس\”، حيث وضعن لهن صورا على مواقع التواصل الاجتماعي خالية تماما من التبرج، داعيات الشابات والفتيات لأن يحببن أنفسن كما هن، وأن يرفضن الخطة المُمنهجة التي ينفذها عليهن المجتمع.. أن يرفضن أن يستجبن لتدخلات المجتمع في ملابسهن وتبرجهن، وأن يرتدين ما يشعرن أنه يعبر عنهن.

عزيزتي المرأة المصرية، إن كنت تشعرين أن الحجاب أو النقاب هو ما يعبر عن شخصيتك ارتديه بسعادة، لا تلقي بالا لمن ينعتوك بالتخلف، إن التخلف في عقولهم وحدهم، وإن كنت لا تشعرين بهذا فلا ترتديه، ارتدائك للفساتين و\”الهوت شورت\” لا يجعلك عاهرة، العُهر الحقيقي يسري في عروق هذا المجتمع ودمائه.

أنت فقط من يحق له أن يقلب بين شماعات الملابس في دولابك، أنت لم تولدي لتكوني الباربي الخاصة بهم، ليلبسونك كيفما شاءوا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top