آلاء الكسباني تكتب: "لا تطفيء الشمس".. والرجل الذي يريد كل شيء!

 

 

(١)

 

\”أنا عمرى ما بطلت أحب زيزى من ساعة ما عرفتها ولا ثانية لعلمك\”
\”وكل النسوان اللى عرفتهم عليها دول اسمهم إيه؟ والطفلة الصغيرة اللى أنت رايح تعيش معاها نزوة عواجيز دى يا هشام. نسميها إيه؟\”
\”زيزى حب تانى. أنت مش فاهم. وآية حب تالت. لا هي زيزى ولا هي نزوة!\”

 

(٢)

 

لربما كان \”لا تطفئ الشمس\” سيصبح مجرد مسلسل من بين عشرات المسلسلات التي تُعرَض كل عام في السباق الرمضانى، لولا أن تولى كتابة السيناريو والحوار الكاتب العزيز إلى قلبى جدًا، تامر حبيب.
يجعلك تامر حبيب تشعر بالتوحد الكلى مع الشخصيات، وكأنك منهم وهم منك، وكأنك تحيا معهم، بانفعالاتهم ومشاعرهم وقوتهم وضعفهم، يسرق منك إحساسك بمنتهى السلاسة، ليصوغه في حوار يُقال على ألسنة بشر، تصدقه بكل حواسك، لأنه يلمس أدق وأعمق نقطة فيك، فتحب شخصياته حد العشق، أو تكرهها كرهًا يماثل كرهك لألد أعدائك!
وداىمًا ما يبرع تامر حبيب في تقديم شخصية الرجل الذى يريد كل شيء، الأنانى الذى لا يسعه الاكتفاء بامرأة واحدة فقط، فمازالت جملة عبدالله في فيلم \”واحد صحيح\” ترن في أذنى حتى الآن، حين قال بتفاخر: \”ليه يبقى دورى في حياة واحدة، زيى زى أي واحد؟\”، جملة قاسية إلى حد أن قسمت قلبى نصفين، وواقعية إلى الحد الذى جعلنى أبغض عبدالله بشدة، لكنها في النهاية جملة لا تخرج سوى من تحت قلم تامر حبيب!

ويعود تامر ليقدم لنا هذا العام هشام، أو الموهوب جدًا فتحى عبدالوهاب، الذى ينخرط في علاقة مع تلميذته التي تصغره بأعوام كثيرة جدًا رغم أنه متزوج، وهو ما قدمه إحسان عبدالقدوس من قبله في الرواية، لكن هشام في \”لا تطفئ الشمس\” ٢٠١٧ يختلف كليًا عن مدرس البيانو عماد حمدى، فهو مغلف بغلاف عصر ٢٠١٧، وهو ما يجعله أكثر قربًا للتصديق وأكثر بغضًا في نظرى، لأنه يحمل في طياته كل المبررات السخيفة للرجل الذى يريد كل شيء في عصرنا الحالي، فقديمًا كانت الخيانة شيء آثم لا مبررات له، كانت تُدان باعتبارها فراغة عين ليس أكثر، حتى فاعله نفسه كان يعلم في قرارة نفسه بخطأه، لكن تامر حبيب استطاع أن ينقل مدرس البيانو رب الأسرة للعصر الحديث، لينقل ذلك المثال الواقعى جدًا من الرجال، الذى يؤمن بأن له الحق في أن يُخطئ وأن يخون، لأنه يحب كل امرأة في حياته حبًا مختلفًا عن سواها، ويرى أنه لا يظلم أيًا منهن، لأن لكلٍ منهن قسطًا في قلبه مختلف عن الأخريات، فيقنع نفسه تمامًا أنه يحبهن جميعًا، لكن بأنماط مختلفة تمامًا من الحب، بل ويمكن أن يرى نفسه في بعض الأحيان مجنيًا عليه بدوره!

 

 

(٣)

 

\”كفاية عليا وصاية زيزى. كفاية عليا أم واحدة\”
\”بس زيزى مش أمك يا هشام. زيزى مراتك\”
\”وأمى. من ساعة ما عرفنا بعض من زمان وهى بتحسسنى إنها أمى. بتحتوينى وتطمنى\”
\”ولما أنت قلبك عمران بحب زيزى. إزاى بتقول إنك بتحب آية؟\”
\”ما قولنا ده حب وده حب تانى خالص!\”
نعم، يرغب الرجل الذى يريد كل شيء في الحياة امرأة لكل دور في حياته، فهو يريد الزوجة التي تحتويه وتطمئنه وتكون له بمثابة الأم، تتمثل في البيت والحنان والغفران اللامحدود والحب غير المشروط، ويرغب في العشيقة، التي تُشعِره برجولته وبرغبتها المحمومة فيه وبأنه دنجوان العصر والزمان، وفى الابنة، تلك التي تستطيع أن تُشعِره بأنها دائمًا في أشد الاحتياج له، لا تقدر على إتيان أي فعل أو قول بدون استشارته المهمة جدًا طبعًا في الحياة، ليكون بمثابة المرشد الروحى لها، الذى يأخذها إلى الطريق الصحيح، ويضرب على كفها ضربةً رقيقة إذا ما أخطأت قائلًا \”مش قولت كده كخ\”، ويريد الصديقة ورفيقة الدرب التي يستطيع أن يركن إليها ليفضفض بمآسيه وأوجاعه.
ما يُحزننى حقًا هو اعتبار هشام في أنظار الكثير من الفتيات المصريات \”حالة\” مختلفة تمامًا عن الخائنين الآبقين، وإيمان بعضهن بالكذبات التي يرددها أمثال هشام من نوعية \”ده حب وده حب تانى\” سواء كانوا يرددونها عن اقتناع فعلًا ليبرروا أفعالهم لأنفسهم وللآخرين وحتى لا يشعروا بوخز الضمير، أو كمجرد وسيلة دفاعية ضد كل من يدين فعلتهم، ما يُحزننى حقًا هو أننا وصلنا لعام ٢٠١٧، ولاتزال هذه الكذبة رائجة جدا بين رجال العصر الحالي، فلديهم دائمًا من تلعب دور امرأة النور، التي يعرف الجميع أنها زوجته أو خطيبته أو حتى حبيبته، وهناك أخريات في الظلام، يمارسن دور العشيقات في صمت، قانعات بالتسويف وبأنه يحبها على ما تُفرَج، بل يوجد منهن من ينظر إلى نفسه كما ترى آية -عشيقة هشام- نفسها في المسلسل، إنسانة أنانية أرادته فحصلت عليه، مع إن الرجال ليسوا أطفالا ليكون انسياقهم خلف أي أنثى مبررا لأفعالهم، ولا عشيقاتهن بشماعات ليعلقن عليهن أخطائهم، لأنه يا عزيزاتى إن لم تكن موجودات من الأساس، لكان قد بحث عنكِ وعمن يلعب دورك في أخريات، فلا تُلبسيه رداء الشهامة أو ثوب رهبان التبت الزاهدين الباحثين عن الحكمة، وترتدى ثوب الخطيئة وحدك، لأن هذا ليس منطقيًا ولا عادلًا!
يزداد الأمر سوءً باعتبار قصص الحب المُشرَدة الفاشلة الجارحة \”تريند\” في العصر الحديث، وباعتبار الرجل الذى قطع السمكة وذيلها ثم رماها في سلة المهملات هو النوع الأمثل الذى تنجذب إليه الكثير من المصريات، مع أنهن بهذا يبخسن قدرهن، ومع أنهن يعرفن أنهن لن يذقن طعم السعادة مع مثل هذا الرحل في مثل هذه القصة، لأن مثل هذا لا يكنفى، بل حتى سيخون العشيقة \”بتاعت الضلمة\” ليتبعها بعشيقة أخرى تكمل دورًا عجزت الأولى والثانية عن القيام به في نظره، كما يقول هشام، فزيزى حب ثانى وآية حب ثالث تمامًا!
أرجوكن، لا تنظرن بعين الحب أو الشفقة لمثل هذا النوع من الرجال، هؤلاء ليسوا بـ ريليشين شيب جولز على الإطلاق، وإنما هم لعنات، ما أن تصيب الواحدة فينا حتى تقلب لها حياتها رأسًا على عقب، دونما أي اهتمام أو شعور بالذنب لما اقترفت يداه من لعنات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top