آلاء الكسباني تكتب: على وش جواز

أعرفكم بنفسى، أنا آلاء الكسبانى، فتاة مصرية فى الـ 23 من عمرى، وبحكم أعوامى الـ٢٣ وسيرى بخطى حثيثة على درب الوصول للـ٣٠، أطلق عليّ مجتمعى –مثلى مثل غيرى من الفتيات المصريات- مصطلح \”على وش جواز\”.
لم أقنع أبدًا بأن يتلخص دورى فى الحياة فى أن أكون \”بنت على وش جواز\”، لطالما ماطلت لأخرج من عباءة الزواج السخيفة التى ألبسنى إياها المجتمع عمدًا، وأقول لطالما لأعبر عن كثرة جهودى فى هذا، رغم حداثة سنى نسبيًا، فالأغلب لا يرون فى تصرفاتى إلا محاولة ما لـ\”شقط\” عريس، مهما كانت هذه التصرفات بعيدة كل البعد عن الزواج، فيفسرون إعدادى للماجستير على أنه مجرد محاولة لإيجاد عريس! أضحك بصوت مميز علنى ألفت نظر عريس، اهتم بثيابى ومظهرى لأجذب شخص ما ليكون عريسا، مبررين ذلك بأن كل رجل حولى هو عريس محتمل إلى أن يثبت العكس، لذلك يجب أن أشحذ ذهنى دائمًا وأن أكون على قدر كبير من الجاهزية والمسئولية المنوطة بى؟ وأغنى \”اتقدم تارارارااا اتقدم تارارارااا\” كلما رأيت رجلًا، لأنه من الممكن أن يكون عريسا!
وبرغم كل ما أكابده من ضغوطات معنوية مضحكة جدًا فى كثير من الأحيان، إلا إنها لا تقارن البتة بضغوط صديقتى التى \”على وش جواز\” بالمعنى الحرفى للكلمة، فالحمدلله لقد أثمرت جهودها عن إيجاد عريس أخيرًا، وخُطِبَت، وهى الآن تواجه الوحش، الليڤل الأخير ما قبل الزواج الفعلى الحقيقى، وهو إعداد عش الزوجية.
خضت مع صديقتى العزيزة الكثير من المغامرات وهى بصدد إعداد هذا العش، مغامرات جعلتنى أصدق أن أولئك الذين يحثوننا على الزواج بشكل دائم مستمر، مثل طنط جارتنا التى تقول لى: \”عقبال ما أشوفك عروسة\” بمعدل 365 مرة فى العام، أي مرة يوميًا، هم أناس ساديون يماثلون هتلر فى نازيته، يرغبون فى أن يصبح الجميع مثلهم، أن يتحولوا إلى عرائس ماريونت فى يد المجتمع اللعين الذى يجبرنا على دفع الآلاف والآلاف من الجنيهات فى مقابل أن نحظى بشريك حياة نسعد معه، وأن ضغطهم هذا ما هو إلا نتيجة لرغبتهم السادية فى أن يروا غيرهم يدفعون الآلاف ويبذلون الطاقات المادية والمعنوية فى أشياء لا طائل منها كـ \”النيش\” مثلًا، فأنتِ يا عزيزتى إن رزقك الله برجل تحبينه ويحبك وعبر مصفاة أهلك للـ\”عرسان\” بدون مشاكل وحروب طروادة من جانبك وجانبه ليوافقوا عليه، والتفتِ لتصميم عشك الجميل معه، ستجدينهم ينتقدونك هم ومجتمعهم فى كل شىء، فستسألك طنط سعاد آلاف المرات لماذا لم تضعي \”نيش\” فى بيتك؟ إنها اشترت لابنتها \”نيش\” تتحاكى عنه الروايات وأساطير ألف ليلة وليلة! وحين تبدين اعتراضك على أن وجود مئات الأكواب والأطباق فى حياة أسرة مكونة من شخصين لا معنى له، ستتهمك بأنك تبخلين على نفسك، وستستفسر طنط عايدة هل قررتِ أن تكون أرضيتك من البورسلين أم الرخام؟ وحين تجيبين بإنك اخترت السيراميك لأنه أرخص، ستنقدك أيضًا، لأن \”الغالى تمنه فيه وبيعيش\”، بل إن المجتمع سيفرض عليكِ شراء أجهزة غير مفيدة بالمرة فقط لأن التكنولوجيا والثقافة الاستهلاكية تقول إن من يشترى هذه الأشياء يصبح \”جامد جدًا\” و\”كوول\”، من هذه الأشياء مثلًا \”طقم الحمام\”، وأقسم بالله إننى لم أكن أعرف أن للحمامات طقمًا سوى حين ذهبت مع صديقتى العزيزة إياها إلى كارفور لنأخذ فكرة عن أسعار كل شىء يساهم فى تجهيز منزلها الجديد، من الإبرة للصاروخ، لأُفاجأ بوجود ما يُدعى بطقم الحمام، شكله أنيق للغاية ومزخرف بلؤلؤ صغير الحجم جدًا وذو ألوان متعددة مبهرة.
يتألف هذا الشىء العجيب من عدد واحد \”صبانة\”، عدد 2 كوب لوضع فرش الأسنان والمعجون وأى شىء آخر، وعدد 2 حامل للمناشف، ليس كالحامل الذى نعرفه فى بيوتنا، بل آخر محمول باليد على أشكال وألوان عديدة تتوافق مع باقى القطع، وصندوق كبير نسبيًا لم أفهم كنهه، وظللنا أنا وصديقتى نتكهن وظيفته اللولبية الحلزونية من وجوده فى حمام ما، حتى قررنا أن نحتكم للشخص المسئول عن المعروضات فى هذا الركن، لنفهم فى النهاية أنه سلة مهملات! هذا الشىء البديع ذو اللؤلؤ الصغير سلة مهملات!
فسألنا كم سعر الطقم، فأجابنا بابتسامة رجل المبيعات الصفراء المعهودة: الأصح أن تسألن كم سعر القطعة، فالطقم يُباع بالقطعة، والقطعة بـ ٢٥٠ جنيها، فصحت: \”250 جنيه؟! دى صفيحة زبالة، زبالة إيه اللى بـ ٢٥٠ جنيه، ده أنا لو اشتريتها وحطيتها فى الحمام وجالى ضيف ورمى فيها منديل، هاغطس راسه في التواليت، دى أنضف مني أنا شخصيًا\”، لتسحبنى صديقتى بعنف حتى لا نثير الفضائح، مع إن الفضيحة الرئيسية -فى نظرى- لم تكن فى اعتراضى على سعر سلة المهملات، وإنما الفضيحة هى سعرها فى حد ذاته!
ورغم هذا فإن الكثيرين يقدمون على شراء طقم الحمام أبو سلة جنان، باذلين فى ذلك كميات مهولة من النقود كان من الممكن استخدامها فى شىء أكثر فائدة.
اكتشفت مع صديقتى أيضًا وجود شىء يُسمى بـ\”منقي الهواء\”، حين أخذتنى معها فى رحلة جميلة إلى قسم الأجهزة الالكترونية، وتصارعنا للمرة الثانية، فأنا أكدت لها أن هذا الشىء سخان، وقد أخطأوا فى وضع اللافتة، وهى تصر أنه يبدو فى شكل السخان لكنه ليس كذلك، فلجأنا إلى مسئول المعروضات فى ذلك القسم ليخبرنا أن وظيفة هذا الشىء تنقية الهواء من الأتربة ودخان السجائر، وأنه فى غاية الأهمية للحفاظ على صحة أطفالنا المستقبليين، وسعره 4000 فقط، لأنظر إليها فى بشاشة مصطنعة قائلةً: \”مفيش جواز يا مى، ياللا من فضلك نمشى عشان ماقلش أدبى\”.
ما الذى يدفعنى بحق السماء لأشترى منقى هواء بـ ٤٠٠٠ جنيه لمنزلى؟! هواء مصر العليل خارج المنزل سيتكفل بإتلاف صحتى ما إن خطوت خارجه! فلتصنعوه محمولًا بسهولة إذًا، لآخذه معى خارج المنزل فينقى لى هواء المحروسة ذي العوادم والأتربة والاختناق الدائم الحار اليومى، حللوا فلوسه يا أوغاد!
كل هذه المغامرات وغيرها من التى خوضتها مع صديقتى جعلتنى اتنبه إلى أن الصراع القائم على مواقع التواصل الاجتماعى حول الشبكة الفضة والذهب صراع أبله واهٍ للغاية، فأساس المشكلة بالنسبة لى ليس فى قيمة الشبكة ذاتها، وليس فقط فى نظرتى لهذا الموضوع من وجهة نسوية، تجعلنى أتيقن تمامًا من أن إصرار الكثيرات على أن الرجل الذى يدفع كثيرًا، يصون الود ويحفظ كرامة زوجته ما هو إلا محاولة بائسة لتفسير القهر المجتمعى تجاه المرأة تفسيرًا ماديًا لا يرقى للنقاش أصلًا.
أساس المشكلة هنا هو سوء منظومة الزواج بأكملها، بدايةً من تدخل المجتمع المستمر فى حياة شخصين قررا أن يكللا حبهما بالزواج نهايةً إلى فرضه لتابو معين على تجهيزات الأعراس وعش الزوجية.
آلاف الجنيهات تُنفَق على مظاهر اجتماعية كاذبة، وعلى أجهزة لا قيمة لها، وعلى أعراس ينم فيها المدعوون على العروسين نمًا تقشعر له الأبدان، كأنه سوق للنخاسة يُباع فيه الشباب والفتيات على حد السواء، وليس تآلفا بين قلبين وحياة جديدة لمستقبل مبهم مليء بالصعوبات.
وأنا، بعد كل ما رأيت فى كواليس الزواج تلك، أحذر الطنطات من أن يبتسمن فى وجهى قائلات: \”خلاص بقيتى على وش جواز\”، حتى لا يُقرء عنهن فى صفحات الحوادث.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top