رغم عبثية الموقف السياسي الشديدة في مصر، ورغم عدم حبي البيّن لسما المصرى، إلا أنني لم أستسغ خبر منعها من الترشُح للبرلمان، خصوصا بعد أن قرأت السبب، وهو عدم تمتُعها بالحياء الكافي كامرأة لتمثل المصريين \”الكُمَّل\” في برلمانهم \”النزيه\”، برلمان \”لم يحضر أحد\”، ولأنني إنسانة يملؤها الفضول الطفولي والمازوخية وأهوى التنقيب والبحث وراء كل شئ حتى لو كلفني ذلك صحتي النفسية، قرأت تعليقات مُتصفحي موقع التواصل الإجتماعي \”فيسبوك\” على هذا الخبر في أغلب الجرائد الإلكترونية، والحق إنني –كما توقعت- وجدت ما لذ وطاب من سبها وقذفها في الشرف والعرض، فالنظر للراقصة بيننا علي إنها عاهرة برخصة ليس بمستحدث أو جديد، والحكم على الأشخاص ليس بغريب على أمثالنا، وممارسة الأبوية الأخلاقية شيء راسخ فينا لا يفنى ولا يُستحدث من العدم، وتجلت أمام عيني الجميلة نبيلة عبيد وهي تُخاطب صلاح قابيل بحدة في فيلم الراقصة والسياسي قائلة: \”ما إحنا الاتنين زي بعض يا عبدالحميد، أنا رقاصة وأنت كدّاب، علشان بتكدب على الناس، كل واحد فينا بيرقص بطريقته، أنا بهز وسطي وأنت بتلعب لسانك وتخطب، إحنا الاتنين بنطلع في التلفزيون، أنا الناس بتتفرج عليا وأنت أول ما بتظهر الناس بتقفل التلفزيون، لأن رقصك مالوش جمهور، إنما أنا رقصي له جمهور، عارف ليه؟ لأنك بتوعد الناس بمستقبل مُشرق ويطلع بكرة مالوش شمس\”.
لم تقف مشكلتي عند هذا الموقف فحسب، فبعد أن رأيت التعليقات المُصاحبة للفيديو الذي تعترف فيه المُمثلة انتصار بمشاهدتها للأفلام الإباحية، وتعبيرها عن احترام حريات الآخرين، وذلك برفضها لمنع هذه المواقع، تاركة الاختيار والحرية للناس، ضاربة بدور \”القطة المغمضة\” الذي تتربى كل امرأة مصرية على أن تلعبه عرض الحائط، وبعد أن علمت أنه سيتم التحقيق معها بتهمة نشر الفجور، تيقنت أن الموضوع أعمق مما تصورت، فنحن بصدد أزمة ازدواجية سيئة وشديدة القُبح، ازداوجية تجعلنا نصنع حولنا عالما من الأكاذيب ونتمادى فيه إلى أن نمرض به ونصدقه.
لم أتمالك نفسي من الضحك بسبب تعليقات الشباب والرجال تحديداً، وقد راهنت نفسي على أننا لو فتشنا تاريخ المتصفح الإلكتروني في حواسيب أو هواتف كل من سولت له نفسه أن يذكر انتصار بسوء لصراحتها، لوجدت ما لا يقل عن 100 موقع جنسى، ومن سيكذبني أو يتهمني بالمبالغة، فلا اطلب منه سوى أن يُجري بحثا بسيطا على \”جوجل\” ليعرف أن مصر تحتل الصدارة ومن ضمن المراكز العشرة الأولى في استخدامها للمواقع الإباحية.
والفكرة هنا ليست في الصواب والخطأ، ليست في أن مشاهدة المواقع الإباحية حلال أم حرام، ليست في أن الرقص الشرقي عُهر أم فن، فهذه كلها قضايا قديمة قدم وجودنا على الأرض، ومهما تحدثنا فيها لن يقتنع من يمثلون في مجتمعنا السلطة الأبوية الأخلاقية أن ممارسة الخطأ أو الصواب منوطة بالشخص وحده ما لم يعد من اختياراته وممارساته أي ضرر على الآخرين، الفكرة الأساسية هي النظرة السطحية البلهاء التي ينظرها لنا –نحن النساء في مصر- رجالنا، نظرة \”القطة المغمضة\”، فلا يجب علي الرجل \”المهذب\” أن يتلفظ بأي ألفاظ بذيئة في جلسة فيها نساء، لا يجب أن يأخذ نقاش هذه الجلسة منحنى جنسيا ثقافيا، أو حتى هزلي أبداً، وإذا حدث يجب على النساء أن يصطنعن عدم الفهم، حتى لا يُقال عنهن أنهن يعرفن أكثر من اللازم، فيصبحن بالبتبعية عاهرات في نظر الرجال، أو على الأقل ذوات خبرة في الأمور \”إياها\”، فيوضع عليهن \”إكس\” حمراء كبيرة فيما يخص الارتباط والزواج.
يجب أن تعتنق الفتاة منا مقولة \”حيائي سر أنوثتي\” أساسا لحياتها، يجب أن يعتلي وجهها حمرة خجل، يجب أن تُسبل جفنيها وتنظر للأرض في محاولة مُصطنعة لتقليد الحياء عند المُمثلة اللزجة التي لم أحبها قط \”ماجدة\”، حين تُسأل عن أي شئ يُصنف كـ \”عيب\”، حتى وإن كان سؤالا أبلها مثل: \”بتعرفي ترقصي شرقى؟\”، يجب أن تُمثل البله وتعتلي وجهها نظرة في منتهى البراءة حين يدور الحديث أمامها عن الجنس، يجب ألا يذل لسانها أبداً أمام زوج المستقبل عن تجاربها العاطفية أو الجنسية السابقة، يجب أن تُفهمه أنه الفارس الهُمام، الأول في حياتها، الطريق للانفتاح على عالم العيب، و\”اللطخ\” المخدوع دائما ما يُصدق، هذا بالطبع لا يعني أنه لا يوجد فتيات لا يعرفن أي شئ عن الجنس، بل يتربى الكثير من فتياتنا على ألا يفهمن أي شىء عنه، إلى أن يحين يوم زفافهن، فيُطلب منهن أن يتحولن بقدرة قادر إلى خبيرات مُتفتحات مُتفهمات لفنون الحب والزواج!
وسأعطيكم مثالا بسيطا على أن هذا المجتمع مزدوج ازدواجية مجنونة، ففي الوقت الذي كان الرجال يصرخون مطالبين بوقف برنامج باسم يوسف، لأن باسم يقول نكات لا يصح أن نسمعها كنساء، كانت تزخر حياتنا بأمثال هذه النكات، فنحن نسمعها في الشارع في شكل تحرشات جنسية غير لطيفة بالمرة، ونقرأها على فئة رسائل \”أخرى\” في الفيسبوك بشكل شبه يومى، فعلى الأقل باسم كان يستخدمها استخداما مِرحا يبعث على الفكاهة والضحك، لكن أنتم بأنفسكم تستخدمونها معنا استخداما يبعث فينا الكره والغضب ويصيبنا بكل الأمراض العصبية والنفسية الممكنة!
قرأت منذ بضع أيام منشور لمغنٍ ما يتفاخر فيه بعدم رغبته في الزواج من أي من زميلاته في الوسط الفني، لأنه صعيدي ولا يقبل أن يتزوج ممثلة أو مغنية، لماذا تغني إذا يا عزيزي إن كانت الفنانات بالنسبة لك عاهرات؟! لماذا لا تُصبح أنت بدورك \”عاهر\” مثلهن، لمجرد أنك رجل؟! لا أفهم حقا مُعادلتك المجنونة هذه، بالضبط كما لا أفهم قط ما سر اعتبار صفة الحياء حكرا على المرأة، ولماذا لا يجب أن يمتنع الرجل عن الأقوال والأفعال الخادشة للحياء فقط لأنه رجل؟ وما الذي يعطيه الحق والسلطة في أن يمنع امرأة من أن تترشح ولو حتى لرئاسة الجمهورية أو أن يخوض في عرض أخرى لأنها كانت صريحة بما يكفي مع نفسها ومع الآخرين لأن تُجاهر بما يفعله الرجال في الخفاء؟
يجب أن يستيقظ الرجال من سُباتهم العميق، وأن يدركوا الحقيقة التي يحاولون نفضها عن أعينهم لقصور منهم في فهمها أو لعدم رغبتهم في رؤيتها، النساء لسن أطفال، لسن بحاجة لمن يمارس عليهن سلطات أبوية أخلاقية، خصوصا إن كان هو نفسه فاقدا للأخلاق، فهن بالغات قادرات عاقلات، يحق لهن أن يُخطئن ويُصيبن، يحق لهن أن يصنعن اختياراتهن بأنفسهن وأن يسرن طريقهن بالشكل الذي يردنه.
نحن بشر قبل أن نكون نساء، مثلنا مثلكم، وإن لم تقتنعوا بهذا، فهو شأنكم وحدكم، فعلي الأقل نحن صريحات مع أنفسنا، لسنا مثلكم، نأتي العاهرة ليلا ونسبها نهاراً!