(1)
قرأت منذ يومين على صفحة إحدى صديقاتي على الفيسبوك منشورا به بعض الصور لرجل يحمل فتاة جميلة بين يديه ويبتسمان للكاميرا في سعادة, ومن الواضح أنهما عروسان وأن هذه كانت جلسة تصوير ما قبل الخطبة.
لم اتقن قط فن قراءة الصور، حتى علمني إياه أحد أصدقائي المقربين.. كان دائما ما يقول لي إذا وجدت ابتسامة العيون أوضح من ابتسامة الشفاه، إذا فهؤلاء حقا سعداء. وحين وجدت هذه السعادة بعيونهم قررت أن ألقي نظرة على المزيد من صورهم، علني أنهل من سعادتهما ما يُثلج صدري ويُطمئن قلبي, فمايزال بمصر من يتزوجون عن عشق!
يشاء القدر أن اضغط على زر التعليقات بدلا من الصور، فإذا بي اقرأ سيلا من التعليقات عن – لاتؤاخذونني- \”فخاد\” الفتاة!
نعم.. لقد كانت أكثر التعليقات من رجال بأعمار مختلفة, وكانت أغلبها عن أفخاذ الفتاة، وكم أنها مثيرة للغاية.. أحسست وقتها بمعدتي تضطرب ومريئي يرتجع، وشعرت برغبة حادة في القئ، واخترت خاصية \”لا أريد أن ارى هذا مجددا\” على الفيسبوك.
(2)
كنا على موعد للذهاب إلى كلية التربية الرياضية بنين بطوسون.. كان لدينا بحثا لعينا عن الفيفا، يجب الانتهاء منه قبل نهاية الأسبوع، وكان لابد لنا من البحث عن أي مكتبة بها كتب عن الفيفا لنحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.
انتظرتني أمام موقف المشاريع بالعصافرة قبلي، وحين وصلت وجدتها تقف منكمشة تحت ظل لافتة كبيرة لمحل صغير.. وجهها ممتعض، وعيناها زائغتين.. بعد السلامات سألتها: \”ما بك؟\”
وقفت أمامي على بعد بضع خطوات، وسألتني: \”هو أنا في حاجة في فخادي يا آلاء؟! أصل كل ما حد يعدي، يبص عليهم.. لا مش يبص.. ده بيتنح.. عينيه بتطلع على جسمي.. مش عارفة في إيه!\”
ربت على كتفها وذهبنا لنركب المشروع المتجه لطوسون، وحين وصلنا إلى الكلية، أحسست أنني اشاهد وثائقي لغزالتين محاطتين بنظرات جائعة من قطيع ضباع على قناة Animal planet، بالرغم من أننا كنا مرهقتين، يبدو علينا آثار التعب وبداية حرارة شهر مايو، ولا يوجد بشكلنا أو ملبسنا أي شئ ملفت للأنظار، إلا أنني وجدت كل رجل بالكلية – بدءا من العامل على البوابة، انتهاءا بالمعلمين والدكاترة ذوي الحقائب الجلدية – يتفحص أجسادنا بنظرات جعلتني اشعر أننا عرايا.. نظرات جعلتنا نولي منهم فرارا ونمتلأ منهم رعبا \”حتي إنني أمسكت بيدها قائلة\”.. مدي أرجوكى.. لازم نهرب.
(3)
مذ أن بدأت دراسة اللغة الفرنسية بالمركز الثقافي الفرنسي بشارع النبي دانيال، وانا اكره وقت انتهاء الدرس للغاية, حيث يُحتم علي هذا المرور من محطة مصر للذهاب إلى موقف الأتوبيسات.
يا إلهي.. اشعر دائما حين أمر في هذا المكان بتلاحُق أنفاسي، وانقباض قلبي.. أحس وكأنما هناك حجرا مبروطا على صدري بسلاسل من حديد.. العن نفسي واللغة الفرنسية ومحطة مصر والأتوبيسات والحياة بأكلمها، بمجرد أن تخطو قدامي خطوة واحدة في هذا المكان، تُقشعر نظرات الباعة الجائلين وسواقي المشاريع بدني.. تنهش في جسدي ببطء.. احاول دائما أن اُخبئ صدري بالكتب وامشي بصرامة مقطبة الجبين ولا شئ يفلح معهم!
يأكلونني بأعينهم.. لا يتكلمون.. فقط ينظرون نظرات فاحصة جائعة مُتسمرة ومستمرة، تجعلني اشعر أنني عارية.
(4)
هل جربت يوما أن تشعر أنك كائن فضائي؟ لا؟
أنا شعرت بهذا، حين قررت أن اخرج البارحة متزينة بأحمر شفاة.. أحمر صارخ بعض الشئ.
ذا سألت أي أنثى في العالم، ماذا يبجهك غير الشيكولاتة، سترد قطعا بـ \”أحمر الشفاة\”.. إحساس البهجة الناتج عن التزين به لا مثيل له.. إنها فطرة الأنوثة الطبيعية التي خلقنا الله بها وعليها، لكن الرجل المصري لا يتفهم هذا بالطبع, فمنذ أن وطأت قدمي الشارع، كنت اشعر بأنهم ينظرون لي نظرات استهجان واستغراب واشمئزاز وجوع.. أحسست أنهم ينظرون إلى كائن غير بشري.. كائن فضائي له ثلاثة أعين أو ربما ثلاثة أرجل.
حين تحدثت مع سائق المشروع، وجدته يتفحص ملامحي بطريقة غريبة، وحين ابتعت شيئا من كشك صغير، أحسست بالبائع ينظر إلي بطريقة مريبة, لدرجة أنني فكرت أن اقول \”لقد أتيت في سلام\” – على غرار الكائنات الفضائية التي تزور الأرض- لأي شخص قبل أن اتعامل معاه بشكل طبيعي وآدمي.
(5)
جرب يوما أن تجلس أمام أحدهم، واطلب منه أن يحدق بك لمدة طويلة.. أن ينظر إليك بنظرات غير مريحة.. أن يتفحص كل جزء بك.. أن يُجري مسحا دقيقا وشاملا لكل منطقة بجسدك, وأن تشعر من نظراته أنه يمتلك قدرة خارقة ويوجد بقرنيتيه أشعة إكس راي القادرة على اختراق ملابسك.
حاول أن تتصور أنك في مكان عام, في الشارع, وعيون المئات متسمرة عليك..
حدثني وقتها عن إحساس الإشمئزاز الذي يملأ حواسك, وتلك الغصة التي تعتمل في حلقك.. حدثني عن إحساسك بالسُعار الجنسي البائس المحموم المحيط بك من كل جانب.. حدثني عن كم الأدرنالين المنبثق بعروقك, المليء به دمك.. حدثني عن تحفُزك.. عن كم المجهود الجسدي والعقلي والعصبي المبذول منك في أقل من دقيقة فقط، لكي تستوعب كل تلك النظرات, لكي تكون مستعدا دائما لمواجهة أي هجوم.
تخيل أن تتمنى أن تختفي, أو أن يختفوا هم.. كلهم, بمختلف أعمارهم وأشكالهم.. تخيل أن تتمنى أن تنعم براحة الأعصاب ولو لجزء من الثانية.. أن يكون لك الحق أن تسرح بعيدا أو أن تمشي غير منتبه لشئ, أو أن تمارس هواية المشي بالقدمين وليس بالعقل.. أن تسير في هدوء ببساطة.. أن يكون جسدك مسترخي.. عضلات وجهك منبسطة.. أن تسير دون التلفت يمينا ويسارا.. تخيل أن كل هذا هو جل أمانيك حين تخرج إلى الشارع.
ألم تشعر بالبؤس بعد؟!
(6)
نصح رسول الله، علي بن أبي طالب، ألا يتبع النظرة بالنظرة, فالأولى له والثانية عليه.. الطريف في الشارع المصري أنه لا يوجد نظرة ثانية, لأن الأولى لا تنتهي أبدا!
7))
منذ طفولتي وحتى الآن، وأنا مولعة بمشاهدة الرسوم المتحركة، وأفلام الكارتون, خصوصا أفلام وحلقات توم وجيري.
حلقتي المُفضلة هي تلك التي يحاول فيها توم كالعادة الإمساك بجيري المسكين، فيُقرر جيري أن يلجأ إلى بيت الكلب سبايك، حتى يأمن شر توم، لكن توم لم يسكت، فربط قطعة كبيرة من اللحم ببندول صغير أعلى شجرة وجعله يتدلى أمام أعين سبايك.. حين رأى سبايك قطعة اللحم الشهية، فغر فاه وسال لعابه، وترك بيته سائرا خلفها، وحين ابتعد وراءها, ضرب توم ضربته وهجم على بيت سبايك، ليحصل على جيري.
عزيزي الرجل ذو نظرات الإكس راي.. إن كنت ترى في نفسك الكلب سبايك، فأنا لا رأى في نفسي قطعة من اللحم.. وإن كنت تراني قطعة لحم، فأنا أراك الكلب سبايك!