آلاء الكسباني تكتب: المجلس الأعلى للعالم.. (The Avengers)

(1)

بدأت علاقتي تتوطد ببرنامج تامر أمين بعد أن رأيت فيديو له يسب فيه فتاة تعرضت للتحرش في الحرم الجامعي بالقاهرة, قائلا إنها عاهرة, مُعللا و مُبررا التحرش بها بملابسها \”الفاضحة\”, صائحا في جموع الشعب الغافل أن أفيقوا, التفتوا إلى فتياتكن وألبسوهن ثيابا تجعلهن عفيفات شريفات ثم بعد ذلك ألقوا اللوم على الشباب البائس الذي لا يقصد أن يتحرش بهن مُطلقاً!

لم يكتف تامر أمين بتبرير التحرش, بل تحرش بـ \”ياسمين الخطيب\” على الهواء حين أسبل جفنيه بحنان قائلا لها: \”أنا لو جوزك, أغرقك مشاعر\”, فضلا عن مواقفه السياسية المُتلونة و تصريحاته عن الفضيلة والشرف وتنصيبه لنفسه كحامي حمى الأخلاق في مصر, من هنا كان لابد لي من وقفة مع هذا الإعلامي الذي يطالعنا برنامجه بشكل يُحتم علينا الانتباه لما يقول, خصوصا وأني قد علمت أن له من المُتابعين والمؤيدين ما يكفي لأن يصبح كلامه مُصدقا مُنزها عن كل نقص.

(2)

خرج علينا تامر أمين منذ بضعة أيام بتصريح له عن \”المجلس الأعلى للعالم\”, ذكرني كثيرا برواية \”صندوق الدمى\” للكاتبة \”شيرين هنائي\”, حيث المجلس الماسوني العملاق ذو القدرات المُخباراتية التكنولوجية اللولبية الحلزونية القادر على إفناء الحياة البشرية وإرسال النيازك على المدن والقرى و\”خلق\” التسونامي وتوجيه الجراد, وأي كارثة طبيعية أو بشرية يمكن لعقلك أن يتخيلها عزيزي القارئ, ورغم حبي لكتابات شيرين هنائي إلا إنني لم أحب هذه الرواية قط, فقد شعرت أنها تسخر من عقلي وتستخف بي في محاولة بائسة لصنع جو من رعب الخيال العلمي, وهو تماما ما أحسست وأنا استمع لتصريحات تامر أمين المُبهرة.

جلست مع نفسي في محاولة بسيطة لتخيُل هذا \”المجلس الأعلي للعالم\”, فخطر ببالي فورا اسم \”ذا آفنجرز\”, يليق به كثيرا, وبدأت أرى عددا من الأشرار مجتمعين ليلا في مقر سري يخططون, على طريقة بينكي وبرين, متساءلين ما الذي يمكن أن يفعلوه اليوم للسيطرة على العالم!

(3)

رأيت البروفيسور موريارتي يقدم عددا لا بأس به من الاقتراحات الأكثر ذكاءّ واتقادا في عالم الجريمة, وتُتبع اقتراحاته بضحكات متقطعة شريرة من الجوكر ودعوات لتكاتف المجلس الأعلى للعالم من أجل الوصول للأناركية العظمى وتحقيق الفوضى الخلاقة, في حين أن لوكي ينظر إلى خريطة الكرة الأرضية محاولا التوصل لطريقة تُمكنه من غزوها بمساعدة باقي المجلس، ثم القضاء عليهم ليحكم وحده, أما اللورد شين، فكان يؤكد على ضرورة اختراع المزيد من الأسلحة باستخدام الألعاب النارية وتصديرها للدول الشرق أوسطية كما يتعاون مع شريدر على تدريب جيوش جديدة على ألعاب القتال والنينجا الشريرة, تلك الجيوش المُكونة من أشخاص مُعدلين جينيا لكي لا يشعروا بالألم أو الخوف الذي يخلقه كوبري أو المعروف باسم \”الدكتور ريكس\”, وإيفي السامة تضع خطة لتشن علينا حروبا بنباتاتها السامة, أما فزاعة فهو يبتكر أحدث غازات الخوف لإثارة الهلع والرعب بين سكان مدينة جوثام, أقصد بين مدن الشرق الأوسط, أما ماكسيموس فكان طموحه أبعد من ذلك بكثير, حيث كان يحث المجلس على استمرار اللحاق بـ آتوميك بيتي لكي يحصل منها على السر الذري اللازم للسيطرة على المجرة بأكملها, كل هذا وسط سخرية لاذعة من الجميع لمخططات الدكتور دراكن الفاشلة, ومحاولة بائسة من هاري أوزبورن لجذب انتباه مساعدته المثيرة شهيرة!

نعم, كل هذا جال بخاطري وأنا أشاهد الحلقة الخرقاء التي تحدث فيها تامر أمين عن المجلس الأعلى للعالم وقوته اللامحدودة, ورغباته الشريرة وتسبُبه في تدمير العديد من المدن والبلاد المغضوب عليها الرافضة لتنفيذ استراتيجياته ومُخططاته!

وإن كنت تظن عزيزي القارئ أن عقلي قد جمح بعض الشئ في تصور هذا المجلس وأشخاصه, فلتنظر إلى رد تامر أمين على التعليقات التي تسخر من كلامه على مواقع التواصل الاجتماعى, بالرغم من أنه تنصل من تصريحاته قائلا \”إنها اقتُطعت من سياقها\” وأنه \”يجب إعادة الأمور لنصابها\”, إلا أنه تحدث عن أن مصر \”بونبوناية العالم\”, يطمع فيها الحاقدون والشامتون ويتربص بها المتربصون, إن الرجل ليصدق نظريات المؤامرة بحق! وهذا كما قال شأنه الخاص, لا يصح لنا أن نقول له فيما يصدق وفيما يكذب, لكن ما يفعله الإعلامي الفاضل هو عملية غسيل مخ واضحة وصريحة للناس, إنه يبث السموم وينشر الفوضى ومعلومات بعيدة كل البعد عن الصحة تحت مسمى الحرية الإعلامية!

بسبب أمثال تامر أمين, أصبح الشعب المصري مدمنا لنظريات المؤامرة اللعينة التي تمكنت من حياته بشكل يجعله يخفي أخباره عن أقربائه لأنه خائف من الحسد!

يستيقظ المواطن صباحا على التلفزيون والجرائد وهي تُلقنه ألفاظ العمالة الأجنبية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا, تعيدها وتزيدها عليه يوميا حتى هضمها هضما, فأصبحت كل وسيلة للمعارضة عمالة وخيانة, وأصبح من السهل تصنيف الوطنية والاتهام بالتطرف.

أصبحنا نحّمل الخارج كل مصائبنا, نعلق شماعات فشلنا في كل المجالات على حروب الجيل الرابع والثالث والماسونية ومجلس إدارة العالم, أصبحت أقصى أمانينا هو أن يتركنا جيراننا \”السوّ\” في حالنا, مع إننا نحن الذين نشغل أنفسنا بهم, ولا نكافح للخروج من هذه الشرنقة الضيقة التي وضعنا فيها أنفسنا!

(4)

– أنت عارف التهمة اللي لزقتهالي دي كانت ممكن ترميني في السجن شهور وسنين، لولا المسؤولين في الدولة اللي يعرفوني كويس, وقفوا جنبي لحد ما انتهى الموضوع, بس فضل جوايا سؤال محيرنى.. أنت كنت بتعمل كده ليه؟ وإيه اللذة الغريبة اللي كنت بتلاقيها لما تلفق لواحد تهمة؟

= لذة إيه يا راجل أنت؟ أنا شغلي إني احمي البلد.

– ومين اللي اقنعك إن التصرفات دي هي اللي بتحمي البلد؟ ومين اللي فهمك أصلا أنك أكثر وطنية مني أو من اللي قبضت عليهم؟

= لا.. اوقف عندك, أنا ماسمحلكش باللهجة دي.

– طبعا, مش متعود ع المناقشة, مابتحبش تسمع إلا صوتك بس.

= هو ده أسلوب المتطرفين

– شايف؟ آديك منحتني تهمة جديدة, طبعا.. تشكيلة التهم متوفرة عندك، ولو كنت دلوقتي على مكتبك, قاعد على كرسيك وسط الهيلمان والسلطة, كانت الأقوال اترصت والتقارير اتكتبت, وألف حسرة ع اللي يقع تحت إيدك.

= أنا خدمت البلد, ولولايا كانت الفوضى خربت كل حاجة.

إحنا يا حضرة الصحفي في حالة حرب، ومسؤوليتنا حراسة البلد من الأعداء

– الحرب الحقيقية إحنا عارفين جذورها وأطرافها, إنما الحرب اللي أنت بتتكلم عليها مش موجودة إلا في تفكيرك وتفكير اللي زيك, أنتم اخترعتوها عشان توقعوا الناس في بعض, وتلغبطوا الحاكم, وتشغلوا الناس بأعداء وهميين

الحمدلله إنك طلعت ع المعاش يا أخى

= أكيد أنت عميل أجنبى!

من أحب المشاهد السينمائية  لقلبي هو هذا المشهد في فيلم \”زوجة رجل مهم\”, حيث رجل البوليس أحمد زكي يتبادل الحديث مع صحفي لفق له تهمة التحريض على الشغب والتخابر مع دول أجنبية أثناء خدمته بالمباحث.

بضع كلمات أثلج من خلالها السيناريست رؤوف توفيق صدرى, في حديثه على لسان أحمد زكي عن الحرب غير المرئية التي تعيشها الدولة, والتي تتطلب منا دائماً أن نكون في قمة يقظتنا وصحوتنا, حتى لو كانت يقظتنا هذه تعني إلقاء التُهم جُزافاً واعتقال المواطنين والتمادي في الاختفاء القسري بدعوى حفظ الأمن والنظام ومحاربة أعداء الوطن الخارجيين ذوي الأذرع والأصابع التي تلعب في النظام.

إنها نظريات المؤامرة والحروب الوهمية التي يبتدعها حاكمينا ويبثونها في عقولنا عن طريق أدوات مثل تامر أمين, ليشغلونا عن العدو الأساسى, ليجعلونا ندور في حلقات مُفرغة, دوائر لانهائية لا مخرج منها, يجعلونا ندور بطريقة تجعل رؤوسنا تلف، لكن بالقدر الذي يسمح لنا بأن نظل واعيين, لأننا إن وقعنا لربما أفقنا وسعينا للوقوف على أقدامنا من جديد!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top