(1)
عصف شادى أبو زيد وأحمد مالك الفيسبوك منذ أيام قليلة بفيديو رآه الجميع، وأثار زوبعة كبيرة خارج نطاق مواقع التواصل الاجتماعى، ليصل إلى مختلف فئات وطبقات الشعب المصرى.
لم أكتب لكم لكى نتحدث عن هذا الفيديو، فسواء كنتم رافضين أو قابلين له، ومهما كانت مبرراتكم لهذا الرفض أو القبول، وبغض النظر عن منطقية هذه المبررات من عدمها، لقد كتبت لكم لأحدثكم جميعا عنا، عن جيل شادى ومالك، أو كما تسموننا \”العيال بتوع الفيسبوك\”.
خرج والد أحمد مالك علينا بتصريح أبهرنى كثيرا، تنصل من أبوته لهذا الولد الجاحد الحاقد \”عديم الرباية\”، فأجزم أنه لا يتشرف بأن يحمل مثل هذا الولد العاق للأب وللوطن اسمه، بل وتهافتت على تصريحه التعليقات من نوعية \”ما تربى ابنك يا مالك\”، \”ده ولد قليل الأدب وأمه ماعلمتوش يعنى إيه احترام\”، \”الولد ده محتاج يتعاقب، ما هما كده جيل الفيسبوك ده جيل بايظ\”.
أعزائى أبناء هذا الجيل المحترم، الذى يسب ويلعن فى الأجيال التى تليه دائما، أسمحوا لى أن أصحبكم فى جولة بسيطة من خلال مقالى هذا، لتعرفونا بشكل لم تعرفوه من قبل، بل لم تحاولوا أصلا أن تعرفوه.
أخوتى وأخواتى أبناء جيلى، اسمحوا لى أن أتحدث عنى وعن أغلبكم ممن آمنوا بثورة يناير، اسمحوا لى أن أتكلم باسمكم، وإن كان لا يحق لى هذا، فيُعزى خطأى المُتدارك بأننى منكم، عشت معكم وبكم، أحلامى أحلامكم، اتخبط مثلكم يوميا فى كم المشاعر التى تحيط بقلبى وعقلى، ما بين الوفاء لأهلى -السبب فى وجودى فى الحياة- وما بين إحساس المظلومية الذى يمزق كيانى.
(2)
طالعنى البارحة أكثر من منشور على الفيسبوك، لا أعلم هل هذا من باب الصدفة أم هى الرغبة الإلهية التى دفعتنى لأراهم، فأستوحى منهم هذا المقال، أحد المنشورات تتكلم فيه فتاة عن أهلها الذين هددوها بشكل مباشر أن يُبلغوا عنها إذا لم تنصع لأوامرهم وتتخلى عن حلم الثورة الأبله هذا، وصفت نفسها بأنها بنت \”رجال مهمين\”، فعائلتها كلها من ذوى المناصب العليا فى دولتنا المرموقة، وبانتمائها الثورى هذا قد مرمغت شرف العائلة فى التراب، فاضطرت أن تهرب، ووقف بجانبها أصدقائها فحسب، عائلتها الحقيقية كما وصفتهم، وقد صدقتها، لأننى حين تحدث لى مشكلة فى البيت أهرع إلى أصدقائى وأبناء جيلى، لأجدهم يصطفون خلفى ويساندوننى، وإن أخطأت يقوموننى.
وما لبثت أن أنهيت قراءة هذا المنشور المُحزن، حتى طالعنى آخر لإحدى صديقاتى ترجو من عائلتها الكريمة أن يكفوا عن مُلاحقتها فيسبوكياً، لينقلوا الأخبار لأبوها وأمها، مُصممة على أنها تبلغ من العمر ما يكفى ليجعلها بالغة رشيدة صاحبة رأى وقرارات لا يمكن أن يُثنيها عنها أحد، طالبة منهم أن يخاطبوها هى لذاتها، وأن يكفوا عن تأليب أبويها ضدها، وقد صدقتها، ففى صباح أحد الأيام الرائقة، حضر خالى لبيتنا، ليحدثنى عن أهمية الجيش فى حياتنا، طالبا منى أن أتنصل من علاقتى بيناير، وأن أقبله صديقا على الفيسبوك، وبمجرد أن غادر قمت بحظره، هو وأولاد خالى الآخر، وأعمامى الاثنين وأولادهم، بل وحظرت أمى شخصيا، فقد شعرت أننى مُراقبة بطريقة تُمرضنى بالبرانويا، فأنا مُطالبة لأن أنتبه لأفعالى وتصرفاتى معهم وأن أحترمهم ولا أتفوه بما قد يغضبهم، وإلا تمت معاقبتي وابتزازي عاطفيا أو ماديا، ليس فقط على أرض الواقع، بل لحقونى للعالم الافتراضى الصغير، الفقاعة التى صنعتها لنفسى لأقول رأيى بحرية دون أن يُشعرنى أحدهم أن رأيى هذا رأى سفيه مغفل صادر عن فتاة حمقاء لا تعى شيئا فى الحياة، ولم تر من التجارب ما يكفيها لتقرر!
(3)
ربيتمونا كما ربى السيد أحمد عبد الجواد أولاده فى ثلاثية نجيب محفوظ، فأتيتم الفعل ونهوتمونا عنه، علمتمونا أن نحترم الكبير وألا نخالف الأوامر والقرارات الصادرة منكم بدون أن تحترمونا، سخرتم من ملابسنا وتسريحات شعرنا وتقاليع الموضة التى تظهر فى عصرنا، من طعامنا وشرابنا، حتى من أذواقنا فى الموسيقى والأفلام، برغم ثقتي بإنكم عانيتم من أبائكم وقت أن أرتديتم البنطلون الشارليستون، وقلدتم تسريحة إلفيس بريسلى، حكرتم على أنفسكم القوة والقدرة على الاختيار، فكنتم بئس الرفيق والناصح، لم تعطونا فرصة واحدة لكى نقرر أى شىء، أغلب ما نفعله فى حياتنا نمارسه من وراء ظهوركم، جعلتمونا مشوهين بالقدر الكافى الذى صنع لنا أكثر من وجه، وأكثر من حياة.
لطالما عاملتمونا على أننا ناقصو عقل، سفهتم من أفكارنا وأحلامنا بدعوى الخوف علينا والعلم بمصلحتنا، دائما هناك شىء ناقص فينا، نبذل قصارى جهدنا لنعرفه، فنرضيكم ونرضي أنفسنا ولا نفلح أبدا، دائما ما لا نكون عند حسن ظنكم، دائما ما تضعونا بين شقى الرحى، لنختار أحلامكم أو أحلامنا، تتنصلون من ديكتاتوريتكم بقولكم أنتم أحرار لتفعلوا ما شئتم، لكن هذه الحرية لا تقبع خارج حدود أوامركم، فنحن أحرار فيما يتفق مع هواكم فقط، كبار حين نستمع لآرائكم مهما كانت خاطئة، لكن حين نخرج عنها لنتنفس خارج الصندوق الذى تضعوننا فيه، تُلبسونا عباءة التمرد والعصيان، لنصبح جاحدين ناكرين للجميل، غير مُقدرين للتضحيات التى تخليتم عنها من أجلنا.
لا أعرف حقا متى ستدعونا وشأننا، متى ستدركون أننا لسنا بعرائس ماريونت، وأن حقيقة إنكم قد جلبتمونا لهذا العالم، لا تجعلكم بالضرورة تملكوننا، متى ستكفون عن النظر إلينا كطفل أبله يكسر ألعابه دائما، فتصلحونها وراءه وتنظفون آثاره من خلفه، لماذا لم تفكروا ولو للحظة أنه ربما يكسرها ليصنع من قطعها لعبة أجمل، وأنه يجب أن يتعلم كيف يكسر ليتعلم كيف يُصلح، وأن الحياة اختيارات عديدة، فهى لا تقف عند مُنعطف واحد، يمكننى فيها أن أفشل لأنجح، أن أقع لأقوم من جديد، أن أغير مهنتى مئات الآلاف من المرات، أن أمل دراستى فأختار دراسة علوم الفضاء، ألا أصلُح للطب فأصلح للكتابة أو التصوير أو أى من المهن التى ترونها \”مابتأكلش عيش\”، من أخبركم إننا بحاجة للعيش أكثر من الحاجة للحياة نفسها؟! متى ستثقون بنا وبأحلامنا؟ وأنا لا أتحدث عن الثورة فحسب، بل عن أحلامنا العامة المُطلقة.
(4)
\”عندما كنا في الخامسة من عمرنا، سألنا أهلنا عما نريد أن نصبح حين نكبر، فكانت إجاباتنا رائد فضاء، رئيس، أو كما فى حالتى أميرة، وعندما بلغنا العاشرة سألونا مجددا، فكانت الإجابات مُغنى روك، راعى بقر، وغيرها، أما الآن وقد نضجنا، أرادوا منا إجابات واقعية وجادة، فما رأيكم بهذه الإجابة؟
من يدرى بحق السماء؟!
هذا ليس وقت القرارات الصعبة السريعة، هذا وقت ارتكاب الأخطاء، وقت الوقوع فى الحب.. كثيرا.
هذا وقت التدرُب فى شركة ما لا تتناسب مع قدراتنا، أو دراسة الفلسفة رغم يقيننا بعدم قدرتنا على كسب العيش منها، هذا وقتنا لنغير آراءنا، وبعد أن نغيرها نغيرها من جديد، لأنه ببساطة لا شىء يدوم.
فأخطأوا ما استطعتم لذلك سبيلاً…
بهذه الطريقة، يمكننا أن نجيب على سؤال ماذا نريد أن نصبح بدون تردد أو تخمين.. \”وقتها سنعرف فحسب!\”
فى هذا المشهد السينمائى من فيلم \”توايلايت\”، تُلقى صديقة بيلا خطابا بمناسبة تخرجهم، ورغم عدم ولعى بهذه السلسلة، إلا أننى لم أتمالك دموعى حين شاهدته، فقد أحسست بكل كلمة فيه تمس شغاف قلبى.
نعم، هذا وقتنا لكى نحلم بأشياء مستحيلة ونسعى إليها، أشياء لن تروها منطقية بالمرة، هذا وقتنا لنخطيء فنتعلم القرارات الصائبة، تحكمكم الزائد بنا ونظرتكم إلينا على أننا كائنات عديمة الأهلية، لن يصنع منا شخصيات مُتفردة أو جديدة، سنصبح نسخ كربونية بائسة فحسب، لن ترونا ناجحين إذا ما ظللتم تضعونا فى قوالب، فاتركوا \”العيال بتوع الفيسبوك\” يحملوا الراية الآن.