(1)
فلنمعن النظر معا في هذه الصورة الكارثية, في تعابير وجه أمين الشرطة تحديدا.. نظرته تجاه سما المصري, صورة تنبعث منها رائحة هرمون التيستيرون بقوة.. صورة بألف معنى ودلالة كما يقولون.
يوم أن رأيتها.. أحسست بمدى الانحدار الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة الحميدة, ومدى السُعار المحموم المتغلل في عروقها.. أحسست بمدى البؤس الذي وصلت إليه دولتنا بكل مؤسساتها.
لا تجزعوا من نظرته! نحن فتيات الشارع المصري نراها يوميا من رجال الأمن.. أنتم تستغربونها فقط لأنكم ترونها للمرة الأولى واضحة وصريحة وقوية ومُعبرة, بينما تغضون النظر عنها في الشارع.
(2)
\”لا توجد أدلة واضحة على وجود أوامر حكومية بإنتهاج سياسة العنف الجنسي، إلا أن المفارقة تكمن في أنه في الوقت الذي تُقحم فيه الدولة نفسها على المجتمع بفرض سلطتها الأخلاقية، إلا أنها تمارس انتهاكات العنف الجنسي بصفة دائمة\”
استوقفتني هذه الجملة طويلا، وأنا اقرأ تقريرا حقوقيا عن اتهام الدولة بممارسة العنف الجنسي على السجناء والمعتقلين خصوصا، وعلى المواطنين في أقسام الشرطة، بل والشارع – أحيانا- عموما.. رجالا ونساء.. من تحرش أمناء الشرطة وعساكر الأمن المركزي والضباط ورجال الأمن والمرور بالنساء والفتيات في الشارع, والتهديد بالاعتداء أو الاغتصاب الفعلي في المعتقلات وكشوف العذرية والتعذيب بالكهرباء في المناطق التناسلية وغيرها من مظاهر العنف الجنسي التي لا تخفي على أحد مطلقا.
ظللت افكر بهذه الجملة كثيرا, وتدافعت أمام عيني مشاهد من مواقف مختلفة كشريط السينما.. رأيت ضابطا يستوقف سيارة بها رجل وامرأة بكمين ما غامزا لامزا، طالبا إبراز ما يؤكد هوية المرأة وعلاقتها بالرجل.. هل هي زوجته؟ صديقته؟ أم \”شاقطها\”؟! ومن الممكن عقد صفقة \”سيبها وخد عرقها\” معه؟
رأيت صورة الشاب الذي أحرق نفسه في محاولة للهرب من العار الذي يلحقه إثر قضية حمام باب البحر حتى بعد ثبوت براءته.
رأيت تصريحات خالد أبو النجا و محمد عطية بعد اتهامها بالشذوذ الجنسي كرد فعل لمعارضتهما للسلطة الحاكمة.
رأيت التحقيق الذي نشرته إحدى الصحف عن فتاة وشاب أمسكهما أمن الجامعة \”متلبسان\” وهما ممسكان بيد بعضهما البعض بكافيتريا الكلية, ويقول التحقيق إن الأمن طلب من الشاب شرح كيف أمسك بيد الفتاة أثناء التحقيق معها كمجرم يمثل جريمته؟!
(3)
يوجد في فيلم \”ريكلام\” مشهد عبقري! بعد القبض على غادة عبد الرازق -فتاة الليل- والتحقيق معها بقسم الشرطة.. يأخذها المخبر إلى الحبس, ويتحرش بها أثناء سيرهما إلى هناك, فترفض أن تستجيب له، فيغتصبها على مرأى ومسمع من الجميع صارخا فيها: \”هي جات عليا أنا؟!\”
(4)
تراقب دولتنا بمؤسساتها أسرتنا.. تتابعها عن كثب, وتتصيد لنا تجاربنا الجنسية، وتعاقبنا عليها.. تمارس علينا الوصاية والسلطة الاأخلاقية، وهي أبعد ما يكون عن الأخلاق! تجبرنا على أن نلتحف بملاءة الشرف، وما أن ندير ظهورنا لها، حتى تمارس في الخفاء ما تحرمه علينا في العلن, وبطرق أبشع وأكثر عنفا.. تضطهد معارضيها جنسيا بشتى الطرق والوسائل.. تمارس دور حاتم في \”هي فوضى\” بجدارة.. حين يسرق صور جارته الشابة الجميلة ويضعها على صور عارية بطول جدار غرفة نومه, وحين يستعصي عليه ودها.. يثقب العيون في الصورة بطلقات من مسدسه!
تعتبر الدولة أسرة المواطنين شأنها الخاص, وتتحكم فيها وفيهم كيفما تشاء, وتمارس دور الأب الخائف على مصلحة أولاده القائم على تقويم سلوكهم.. تلك الدولة الأبوية اللعينة المنافقة التي تضع أنفها في كل شئ لا يخصها، وتشُرع القوانين التي تحد من أي شئ من شأنه – في رأيها- أن يُفسد أخلاق مواطنيها، وتعود لترمي بكل هذه التشريعات عرض الحائط، لتمارس كل ما حرمته على نفس هؤلاء المواطنين! مما يجعلنا نسأل أنفسنا السؤال الذي طرحه أحمد ذكي على مساعده في فيلم \”معالي الوزير\”: السؤال.. عمرك شوفت وساخة أكتر من كده؟