آلاء الكسباني تكتب: أختاااه.. زوجيه

(1)

وقعت منذ بضع أيام على منشور لفتاة على \”الفيسبوك\” تتحدث فيه عن ضرورة أن تكون المرأة عاقلة واعية مُحبة لزوجها ولسعادته، ساعية لتحقيق أمانيه وأحلامه، بما لا يُخالف شرع الله، وذلك عن طريق تزويجه من آخرى، وتقبُل التعدد الشرعى، بل إنها أقسمت أن تخطب له بنفسها إذا طلب الزواج، واتهمت كل من نعتها بالسفه، بالكفر والعلمانية وازدراء شرع الله.

وحقيقةً، لقد حاولت كثيرا تفسير موقفها، لكنى لم أُفلح! وأكاد أقسم إنها هى نفسها لا تفهم شرع الله الذى تتهم غيرها بتحريمه.

أخذت جولة بسيطة فى حسابها الشخصى وقرأت بعضا من منشوراتها، التى تدور كلها حول \”شرع الله\”، وكيف أننا –كنساء- نرفض ما أحله الله وأباحه، مع إلحاق كل منشور بـ\”هاشتاج\” أختاه زوجيه.

أثارت منشوراتها بداخلى علامات استفهام لانهائية، لكن أكثر ما حيرنى وآلمنى من هذه الاستفهامات حد أن جعلنى أهرع إلى مطبخى لأبحث عن سكين حادة أشق بها شرايينى لأرتاح، هو هل تصل المازوخية بالنساء المصريات إلى حد قهر أنفسهن؟!

(2)

أداوم على مشاهدة (أبلة فاهيتا) كل خميس، أحبها كثيرا، وهى بمثابة مثل أعلى بالنسبة لى، ليس فقط لأنها من أنجح الإعلاميات وأشهرهن، لكن لأنها صريحة وواضحة، وتجعلنى أنظر للأمور بمنظور جديد فى كل مرة أتابعها.

فى حلقة الأسبوع الماضى، تحدثت (أبلة فاهيتا) عن عودة السياحة إلى مصر، ونزل مُراسلها -الذى أحبه كثيرا- شادى أبو زيد إلى الشارع المصرى ليسأل الناس عن رأيهم فى عودة السياح إلى مصر، وفيما يتعرض له السائح/ة من مُضايقات وتحرشات من المصريين.

وبسؤال فتاتين مصريتين عما تتعرض له السائحات فى مصر من تحرشات، قالتا إن ما ترتديه السائحة يُبرر التحرش بها، فهى تسعى بهذه الملابس لأن تجذب انتباه الذكور المصريين المحرومين، وحين سُئلتا عما إذا كان يحدث لهما تحرش أو مُضايقات، قالتا \”بيضايق بس باحترام\”..

نعم يا سادة، بالفعل قالتا هذه الجملة، بيضايقنى بس باحترام!

شعرت بأمعائى تضطرب وتتقلب، فأسرعت بتناول دوائى، فأنا مريضة قولون، وما يثير أعصابى ينعكس على صحتى الجسدية!

(3)

كنت أقف –منذ فترة ليست ببعيدة- على  بداية شارع صفية زغلول ليلا، ابحث عن \”مشروع\” مندرة بحر، وما أدراك ما البحث عن مشروع مندرة بحر فى هذه المنطقة، يصبح البحث عن الهيروين أسهل منه بمراحل!

وقفت مدة طويلة نسبيا، وفى تلك الأثناء وقف إلى جانبى رجل أخذ يُعنف زوجته بشدة ويشدها من يدها بعنف، ترددت قبل أن أتدخل، حتى كاد يضربها، فقلت له يا سيدى هون عليك، العنف ليس بالطريقة المُثلى لحل الخلافات، ولدهشتى الشديدة انفجرت فىّ الزوجة قائلة \”وأنتِ مالك أنتِ، جوزى ويعمل فيا اللى هو عاوزه\”، فابتسمت لها بسماجة قائلة \”عندك حق\”، وقررت أن اتمشى قليلا إلى ميدان المنشية علنى أجد ما يقلنى إلى وجهتى، لأسمع من ورائى صراخها وهو يضربها بكل ما أوتى من قوة.

(4)

الكثير من المواقف دفعتنى دفعا لكى أكتب هذا المقال، مواقف إذا رددتها على مسامعكم لوليتم منى فرارا ولامتلأتم منها رعباً، أم تدعو ابنتها للصبر على عنف زوجها تجاهها، فتاة تتحمل علاقة مع رجل يُقلل فيها من شأنها ويُهينها، مُعايرا إياها بأنه لا يُعاملها مثلما يعامل باقى الرجال المصريين حبيباتهم وزوجاتهم، فهو لا يضربها مثلهم، لكنه يوبخها وينتقدها ويبتزها عاطفيا دائماً، امرأة على علم بخيانات زوجها المُتكررة لها ورغم هذا لا تفعل شيئاً، نساء يُبررن التحرش رغم ما يحدث لهن يوميا من مُضايقات وتحرشات، وغيرها الكثير!

لا استطيع حقا أن أفهم سر اضطهاد المرأة لنفسها ولبنى جنسها فى هذا البلد الغريب، لا استطيع أن أفهم السر الذى يدفع إحداهن لممارسة الإرهاب الفكرى على أخرى، لتوقفها فى الطريق ناعتة إياها بالفاجرة العاهرة طالبةً منها أن تلبس ما يليق بإسلامها، أو العكس، فكثير من المُنتقبات يتعرضن للإهانات والإذلال من فتيات مثلهن، ناعتات إياهن بالمُتخلفات والخيم السوداء و\”داعش\”.

ما السر الذى يُعمق ظاهرة المازوخية فى نفوس المصريات إلى هذا الحد؟ ما الذى يدفعهن إلى مُمارسة القهر على أنفسهن؟ ألهذه الدرجة يمكن للمجلود أن يعشق جلّاديه فيتحول بدوره إلى جلاد؟!

(5)

قرأت البارحة مقالا على موقع زائد18 كتبته د. أمل الجمل، عن فيلم شاهدته اسمه \”باولينا\”، تحدثت فيه عن قصة فتاة تعرضت للاغتصاب، لكنها اختارت ألا تُبلغ الشرطة عن المُغتصب لأنها سامحته، وتساءلت إذا كانت المرأة العربية عامة والمصرية خاصة تستطيع أن تصل إلى هذا الحد من المثالية الذى يجعلها تسامح مغتصبها.

وأنا اقول لها يا عزيزتى، أنا لم اشاهد الفيلم، لكنى على يقين أن باولينا تحيا بيننا، بداخل أغلب النساء المصريات.

إن ما نحن بصدده ليس بمثالية كما أسميتيها فى مقالك، بل إنها مازوخية خالصة، لقد تمكنت مُتلازمة ستوكهولم من المصريات، فأصبحن يمارسن القمع على أنفسهن وعلى غيرهن من بنى جنسهن، أصبحن يُسامحن من يتعرض لهن بالتحرش والاغتصاب والعنف، بل ويبررنه، أصبحن يتهمن بعضهن بالرغبة فى خراب البيوت أو بالنشوز إذا ما خالفن أزواجهن، بل ووصلت حد الاتهام بالزندقة وتحريم ما حلل الله حين يأتى الأمر لتعدد الزوجات.

(6)

إلى كل امرأة تظن أنه يقع على عاتقها أن تهدى غيرها من النساء إلى الطريق الذى تراه هى طريق الحق والخير، إلى كل امرأة ارتضت أن تعيش درجة ثانية، وأن تعنف لتصبر، وأن تهان لتحب أكثر وأكثر، وأن يتم التحرش بها لتبرر، أظن أنه من الأفضل أن تتركينا نحن لنقرر، لا تمارسى علينا إرهابكِ الفكرى، لا تنشرى أفكاركِ السامة، ونحن نعدك أن نتركك كما أنتِ، لن نحاول أن نجذبك معنا إلى إحساسنا بالحرية والحياة، لن نسعى لنحقق لكِ كيانا، لن ننتشلك مما أنتِ فيه، نحن نعلم أنكِ لا تستطيعين تغيير ما أنتِ فيه وتحقدين علينا لأننا اخترنا طريقا لنسير فيه بكل عزم وتصميم، فتمارسين ضعفك علينا فى شكل قوة واهية، فإذا رأينا يوما فى عينيك غيرة أو حقد لن نشفق عليكِ، وإذا أضناكِ واستهلكك ألم القهر لن نستمع إلى ما تقولين، سننصحك مثلما نصحتينا، أختااااه.. زوجيه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top